الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٣٠٥
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وكان له يومئذ سبعون سنة فقال: قم يا عبيدة، ونظر إلى حمزة فقال: قم يا عم، ثم نظر إلى علي (عليه السلام) فقال: قم يا علي - وكان أصغر القوم - فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها، تريد أن تطفئ نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره. ثم قال: يا عبيدة، عليك بعتبة بن ربيعة، وقال لحمزة: عليك بشيبة وقال لعلي: عليك بالوليد، فمروا حتى انتهوا إلى القوم فقالوا: أكفاء كرام.
فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنها فسقطا جميعا واحتمل عبيدة حيا بعد أن قدت رجله فمات بالصفراء، ورثاه كعب بن مالك في أبيات قال فيها:
أيا عين جودي ولا تبخلي * بدمعك وكفا ولا سرري عبيدة أمسى ولا نرتجيره * لعرف غدا ولا منكر انظر الأحكام السلطانية للماوردي: ٢ / ٣٨.
وحمل شيبة على حمزة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما، وحمل أمير المؤمنين (عليه السلام) على الوليد فضربه على عاتقه فأخرج السيف من إبطه. قال علي (عليه السلام): لقد أخذ الوليد يمينه بشماله، فضرب بها هامتي، فظننت أن السماء وقعت على الأرض. ثم اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا علي، أما ترى الكلب نهز عمك - أي دفعه - فحمل عليه علي (عليه السلام) فقال: يا عم، طأطئ رأسك، وكان حمزة أطول من شيبة، فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه علي (عليه السلام) فطرح نصفه، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه.
(انظر دائرة المعارف الإسلامية: ١ فصل غزوة بدر، البحار: ١٩ / ٢٢٣، الإرشاد للشيخ المفيد: ٦٦ فصل ٣٠ باب ٢).
وفي قتل عتبة وشيبة والوليد تقول هند بنت عتبة:
أيا عين جودي بدمع سرب * على خير خندف لم ينقلب تداعا له رهطه غدوة * بنو هاشم وبن والمطلب يذيقونه حد أسيافهم * يعرونه بعد ما قد شجب ونقل صاحب شواهد التنزيل: ١ / ٥١٢ ح ٥٤٥ تحقيق المحمودي عن جابر بن عبد الله قال: لما قتل عتبة بن ربيعة يوم بدر ندبته ابنته هند، وندبت عمها شيبة، وندبت أخاها الوليد، وهجت بني هاشم، فلما جاء هجاؤها أراد حسان أن يجيبها، فأرسلت إليه عمرة أخت عبد الله بن رواحه; دعني حتى أجيبها، فكان هجاؤها:
إني رأيت نساء بعد إصلاح * في عبد شمس فقلبي غير مرتاح هاجت لها أعين تترى وتتبعها * من رأس محزونة ما إن لها لاح لما تنادت بنو فهر على خنق * والموت بينهم يسعى لأرواح ناديت أسدا لآساد خضارمة * إلى الكفاح فما آبوا بتفتاح إلى أن قال: فأجابتها عمرة أخت عبد الله بن رواحة:
يا هند صبرا فقد لاقيت مهبلة * يوم الأعنة والأرماح في الراح إذ الفوارس من أوس كأنهم * سرج أضاءت على خدر وألواح تغدو بهم ضمر كمت مسومة * إلى الكفاح عليها كل كفاح إلى أن قالت:
والداعيان علي وابن عمته * أمست جلايلهم منها بأتراح يا هند إن تصبري فالقتل عادتنا * هذا أخوك على مدخوة الداح ولسنا الآن بصدد بيان الأشعار التي قيلت في يوم بدر.
ثم بارز علي (عليه السلام) العاص بن سعيد بن العاص بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يلبثه أن قتله، وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله، وبرز إليه طعيمة بن عدى فقتله، وقتل بعده نوفل بن خويلد. وكان الفتح لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيف علي (عليه السلام) بمعونة الله له وتأييده وتوفيقه ونصره، وبهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقريش بعد أن رمى كفا من الحصى في وجوههم: شاهت الوجوه، كما جاء في تفسير الكشاف للزمخشري والفخر الرازي في تفسيره لذيل الآية (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) الأنفال: ١٧. وذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور، وأخرجه الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس. وقال تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) الأحزاب: ٢٥. (انظر الإرشاد للشيخ المفيد: ٦١).
وجاء في صحيح البخاري كتاب بدء الخلق وفي باب قتال أبي جهل ح ٤٤٢٨ وبشرح الكرماني:
١٧ / ٢١٦ ط بيروت، و: ١٥: ١٦١ روى بسنده عن علي (عليه السلام) انه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. قال: وقال قيس بن عباد: وفيهم نزلت (هذان خصمان اختصموا في ربهم) الحج: ١٩. قال: هم الذين تبارزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وشيبة بن ربيعة وعتبة والوليد بن عتبة. وروى ذلك مسلم في صحيحه في كتاب التفسير للآية الكريمة:
٨ / ٢٤٥ / ٣٠٣٣، وابن ماجة أيضا في صحيحه في أبواب الجهاد، والحاكم في المستدرك على الصحيحين: ج ٣ في تفسير سورة الحج، والبيهقي في سننه: ٣ / ٢٧٦، ونور الأبصار للشبلنجي: ٧٨ في ذكر قصة مبارزة علي (عليه السلام) يوم بدر، والسيوطي في الدر المنثور، وحلية الأولياء: ٩ / ١٤٥ روى بسنده عن محمد بن إدريس الشافعي قال:
دخل رجل من بنى كنانة على معاوية بن أبي سفيان فقال له: هل شهدت بدرا؟ قال: نعم، قال: مثل من كنت؟ قال: غلام قمدود، مثل عطباء الجلمود، قال: فحدثني ما رأيت وحضرت، قال: ما كنا شهودا إلا كأغياب، وما رأينا ظفرا كان أوشك منه، قال: فصف لي ما رأيت؟ قال: رأيت في سرعان الناس علي بن أبي طالب غلاما شابا ليثا عبقريا يفري الفرى لا يلبث له أحد إلا قتله، ولا يضرب شيئا إلا هتكه، لم أر من الناس أحدا قط أنفق يحمل حملة ويلتفت التفاتة... وكان له عينان في قفاه وكان وثوبه وثوب وحش... وروى مبارزة علي (عليه السلام) يوم بدر كل من صاحب الرياض النضرة: ٢ / ٢٢٥، والطبري في تاريخه: ٢ / ١٩٧ و ٢٦٩، وكنز العمال: ٥ / ٢٧٣، شواهد التنزيل: ١ / ٥٠٣ و ٥٣٢ - ٥٤٥، الطبقات الكبرى لابن سعد: ٣ / ١٧ ط بيروت، وفى أمالي المحاملي: ٢ / 24، أسباب النزول