من هذا الاجتناب هو الاجتناب الظاهر للناس عند معاشرته ومخالطته عن المعاصي التي تظهر للناس مثل قتل المسلم و الإهانة بالمؤمنين وشتمهم والظلم وقد جعله الشارع طريقا إلى الحكم عليه بأنه مجتنب في الواقع عن الجميع حتى عن المعاصي الخفية مثل الافطار في الخلوات ونكاح الحائض والسرقة عند الفرصة وبغض المؤمنين فالاجتناب عن المعاصي التي تظهر للناس عند وجودها طريق إلى العدالة التي هي الاجتناب عن الجميع مع أنه لو دل قوله يعرف باجتناب الكبائر على مغايرة الاجتناب للعدالة لدل قوله (ع) بان يعرفوه بالستر والعفاف على كونهما مغايرين للعدالة لأنهما في سياق واحد وظهر بذلك ضعف ما يقال من أن ظاهر الصحيحة ان الاجتناب طريق معرفة العدالة لا نفسها فيكون من باب الاستدلال بالمعلول على العلة وقد نفى الشبهة عن هذا الظهور بعض ساداتنا المعاصرين وأنت خبير بان ظاهر الصحيحة ليس الا انه يعرف العدالة بان يعرف الرجل بالكف ويعرف بالاجتناب وان معرفة الكف والاجتناب سبب معرفة العدالة وليس فيها دلالة على أن العدالة هو ما أوجب الاجتناب لا نفسه وحينئذ يمكن ان يقال إن العدالة عبارة عن الاستقامة الواقعية وملكة العفة والتحرز التي سموها بالعدالة طريق إليها لان الحكم باستقامة الباطن في الماضي والحال والاستقبال لا يمكن الا مع تحقق الملكة إذ لا اطمينان ببقاء الأحوال فجعل الملكة دليلا عليها من قبل الدليل اللمى وحيث تعذر العلم بالملكة اكتفى بالاستقامة الظاهرية الموجبة للظن بالملكة الموجبة للظن باستقامة الباطن واقعا الذي محط نظر الشارع في اعتبار العدالة في الشهادات والجماعات وهذا ظاهر لمن تأمل في أن غرض الشارع لا يتعلق أولا وبالذات الا بتحقق صفة الطاعة والتحرز عن القبايح في الشاهد والامام ليطمئن بصدق الشاهد ويحرز الفضيلة بالاقتداء مع الامام لكن الظاهر أن هذا القول خلاف المشهور وإن كان يظهر من المحكي عن جماعة بل عن المجلسي في البحار ان الأشهر وعن الخراساني ان الأقرب الأشهر في معناها أن لا يكون مرتكبا للكباير ولا مصرا على الصغاير وعلى هذا فمجرد فعل الكبيرة يقدح في تحقق العدالة لعدم تحقق الاجتناب وبقى شئ اخر وهو ان فعل الصغيرة لا يقدح في العدالة اجماعا ممن قسم المعاصي إلى قسمين فعلى القول بان العدالة عبارة عن الملكة ان قلنا بان المراد ملكة اجتناب الكباير بحيث لا يقدح عدم ملكة الكف عن الصغاير فهذا موقوف على تمييز الفاعل بين الصغائر والكبائر والا فحصول (ملكة صح) الكف عن الكبائر من باب الاتفاق دون الصغائر لا يتحقق غالبا وان قلنا المراد ملكة اجتناب جميع المعاصي الا ان فعل الصغيرة لا يقدح فان لوحظ في الملكة اتصافها بالمنع فعلا فلا ريب في عدم اتصاف الملكة بالمنع حين الفعل فيخرج عن العدالة نعم لو قلنا إن العدالة هي الملكة التي من شأنها المنع وان لم تمنع الا ان الدليل قام على فسق مرتكب الكبيرة دون الصغيرة ففيه ان قيام الدليل على تحقق الفسق بذلك دليل على اعتبار عدمها في العدالة فان المنقول على صريح جماعة
(٢٥٤)