لا يكون عدالة إذا اتصفت بالغلبة والبعث فإذا صارت مغلوبة فلا يسمى عدالة لأنها هي الملكة المتصفة بالبعث مع أنه سيجئ ان العدالة ان جعلناها عين نفس الاجتناب عن جميع القبايح فلا يكون حسن الظاهر طريقا إليه لان ترك المعاصي الخفية التي ليس من شأنها الظهور ولا يعلم ولا يظن بحسن الظاهر فلا بد من أن يكون الطريق إليه (ظنا هي صح) المكلة وحينئذ فيكون حسن الظاهر كاشفا ظنيا عن المكلة وهي امارة على الاجتناب وسيأتى تفصيل هذا بقى الكلام في مستند القائل بالملكة وقد عرفت ان ظاهر مرادهم بالملكة هي الحالة النفسانية وان عبر بعضهم بالملكة واخر بالهيئة الراسخة وثالث بالكيفية الراسخة الا ان الذي فهمه منه بعض السادة المعاصرين هي الحالة والمراد منها الأعم مما يحصل بعد المزاولة ومما يحصل دفعه بالماء الخشية في قلبه كما قد يتفق فالمراد بها الحالة النفسانية القاهرة لسلطان الهوى الآخذة بزمام قوتي الشهوة والغضب إلى ملازمة التقوى في غالب الأحوال وهذه حالة مبينة سهلة الحصول تشاهد في المطيعين من عبيد سائر الموالى ولا يقدح غلبة القوتين عليها في بعض الأحوال لتقويهما بالأمور الخارجة الاتفاقية الشخص من الاضطرار أو يموهان الامر على صاحبه فتقعد الحالة المذكورة على المدافعة لضعف البصيرة المحركة لها على الدفاع والغالب في حصول الكباير من أهل العدالة هو الثاني كما أن الغالب في حصول المعصية من مطيعي عبيد أهل الدنيا هو الأول أو أمر ثالث وهو عدم اطلاع المولى كما أن هنا أيضا قسما ثالثا وهو تلبيس النفس الأخر على الشخص برحمة الله تعالى وغفر انه بعد التوبة وتدارك السيئات بالحسنات لكنهما في الحقيقة راجعة إلى القسم الثاني ويمكن الفرق بينهما بان النفس في القسم الثاني تموه على الانسان في أصل مبغوضية العمل وفي هذا القسم في عفو الله سبحانه ومما ذكرنا تبين ان هذه الحالة لا تزول بمجرد ايقاع الكبيرة نعم يزول وصفها أعني سلطانها على الهوى ويبقى زائلا والهوى غالبا بعد صدور المعصية ما لم يحصل الندامة فإذا حصلت الندامة رجع الهوى إلى مغلوبية والحالة المذكورة إلى سلطنتها فالعدالة هي الحالة الباعثة الغالبة مع تلبسها بوصف البعث والغلبة ولا ريب ان الانسان إذا فعل كبيرة وبقى غير نادم عليها مع الالتفات إليها (فليست صح) الموجودة فيه غالبة على الهوى والا لندم عليها قطعا لان من اثار غلبتها على الهوى هو الندم كما هو مشاهد في المخالفات العرفية فان قلت قد يفعل المعصية ويذهل عنها فلا يندم عليها قلنا يكفى في رجوع غلبة الحالة بغض صاحبها لتلك المعصية اجمالا بعنوان انه من معاصي الله وان لم يلتفت إليها تفصيلا حتى يندم عليها واما الدليل على كون العدالة هي الحالة المذكورة فهى صحيحة ابن ابن أبي يعفور المتقدمة الدالة على أنه يعرف عدالة الرجل بان يعرفوه بالستر والعفاف وكف الجوارح الأربع فان الظاهر من العفاف هي الحالة النفسانية وكذا المراد من الكف ليس مجرد تحققه في زمان بل المراد ان يكون وصف الكف ثابتا له بان يوجد فيه الحالة الموجبة للكف فان الانسان لا يعلم أنه كاف عفيف ما لم يحصل له الحالة النفسانية ولا يصدقان بمجرد تحققهما في زمان ما فالحالة الموجبة للكف هي العدالة ولو لم يكن في
(٢٥٢)