الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) - ابن أبي الحديد المعتزلي - الصفحة ٨٦
حصون حصان الفرج حيث تبرجت * وما كل ممتط الجزارة مركوب (1) يناط عليها للنجوم قلائد ويسفل عنها للغمام أهاضيب (2) وتنهل للجرباء فيها ولم تصيب * رذاذا على شم الجبال أساكيب (3)

1 حصون خبر مبتدأ محذوف اي هي الحصون والحصان المرأة العفيفة. والفرج الموضع المخوف كالثغر والتبرج إظهار المرأة محاسنها وهو ضد الحصانة. والممتط والممتد والجزارة أطراف البعير لأن الجزار يأخذها فهي جزارته كالعمالة للعامل والجزور من الإبل يقع على الذكر والأنثى واستعار وصف المرأة للحصون في الحصانة والتبرج يريد أن هذه الحصون مع ظهورها ممتنعة على من يروم فتحها وضرب لها المثل فقال ليس كلما يمشي على الأربع يمكن ركوبها فإن السبع ممتد القوائم وهو ممتنع ولقد أجاد في هذا البيت إن لم يكن سبق إلى معناه.
2 يناط يعلق يقال ناط الشئ ينوطه إذا علقه والنياط عرق علق بها القلب من الوتين فإذا انقطع مات صاحبه وهو النيط أيضا. والأهاضيب جمع هضاب والهضاب جمع هضب: جلباب القطر والهضبة القطرة هضبت السماء مطرت وجمعها هضب مثل بدرة وبدر يقول إن هذه الحصون لارتفاعها قد لاصقت السماء حتى كأن النجوم عليها قلائد وكأن جلباب المطر مستقلة عنها وذلك على سبيل المبالغة وهو بيت نادر.
3 تنهل تنصب. الجرباء السماء سميت بذلك لما فيها من الكواكب كأنها جرب وقد أسند أساكيب إليها وتلك لا غيث لها وإنها الغيث للسحاب ويسمى سماء لارتفاعه وتصب تمطر، والصوب نزول الغيث والصيب السحاب ذو الصوب. والرذاذ ضعيف المطر وشم الجبال المرتفعة منها جمع أشم وأضاف الصفة إلى الموصوف اهتماما بها والتقدير الجبال الشم. والأساكيب جمع أسكوب هو الماء المنصب يقول إن هذه الحصون أعلى من الجبال فقوي المطر يصل إليها قبل إن يصل ضعيفه إلى رؤوس الجبال والضعيف إنما يكون قبل القوي في الأغلب وقد جعل الحصون في البيت الأول أرفع من الغيث وفي هذا جعله أرفع منها وليس ذلك عيبا لأن من عادة الشعراء أنهم يجمعون في الصفات بين الأرجح والأنقص وليس قصدهم الترتيب في التقديم والتأخير بل الجمع بين الصفات والتنوع في التشبه.
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست