الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٧٣
والبصرة إلى رام هرمز وجاء بنفسه إلى الميدان وقضى في هذه المناسبة على تمرد يني عبد القيس البصريين وذلك في أوائل شعبان سنة 75 ه‍. وفي نهاية شعبان سنة 75 ه‍ (ديسمبر سنة 694 م) استطاع المهلب أن يبدأ الهجوم. ففر الأزارقة أمامه عائدين إلى فارس فتتبعهم إلى أرجان ثم السردان حتى كازرون في نواحي سابور.
فخندق على نفسه هناك مع أهل البصرة كما كانت عادته دائما في حروبه. وكان أهل الكوفة أقل احتياطا فعوقبوا عن ذلك. وذلك أن الأزارقة هجموا هجمة ليلية نجح المهلب في ردها ولكنها أصابت مقتلا في أهل الكوفة حتى قتل سبعون من القراء فيهم وكانوا من خير قرائهم وأقدامهم وكذلك قتل قائدهم ابن مخنف (الثلاثاء إلى الأربعاء 20 رمضان سنة 75 ه‍ 12 يناير سنة 695 م). فولى الحجاج في القتال عتاب بن ورقاء الرياحي كتب إليه - وهو والي أصفهان - يأمره بالمسير إلى المهلب وأن يضم إليه جند عبد الرحمن بن مخنف وذلك في سنة 67 ولكنه رده بعد ثمانية أشهر في مستهل سنة 77 ه‍ لأنه كان أنفع في العراق (ضد شبيب) ولأنه بدأ يختلف مع المهلب اختلافا خطيرا كان يهدد بإثارة خصومه قبلية بين بني تميم والأزد في الجيش.
وبعد أن استمر في القتال في نواحي سابور واصطخر أكثر من عام انسحب الأزارقة من فارس وعادوا إلى كرمان التي كانت في قبضة أيديهم منذ زمن طويل.
مضوا أولا إلى السيرجان فلما أجلوا من هناك تحصنوا في جيرفت. فتبعهم المهلب وكان عليه أن يقضي بعد طردهم من فارس ثمانية عشر شهرا في قتالهم حتى يقهرهم تماما. وظن الحجاج أنه إنما تعمد أن يطيل الحرب مع الخوارج حتى يحتفظ لنفسه بالقيادة ويستغل ذلك. فضغط عليه الحجاج وذلك إنه رفع منه إدارة إقليم فارس وجباية خراجه بعد أن طرد منه الخوارج باستثناء جزء صغير منه تركه له يجبي خراجه للصرف منه على جيوشه. وأرسل إليه الرسل المرة تلو المرة لحثه على الاسراع في القتال ولكن المهلب لم يتأثر بهذا حتى لا يخطئ السبيل فقد كانت خطته في هذه الحالة تقوم على الانتظار والترقب لا على الاندفاع المستمر وكان يبني حسابه على انتشار المرض أو الجوع أو قيام الخلاف في صفوف العدو (1). ودب الخلاف فعلا بين الخوارج. فقد صنع الأزارقة مع قطري صنيع

(1) على أن المهلب لم يكن في الواقع - كما يبدو فيما بعد - متوقفا عن كل عمل فقد ورد في أبيات كعب الأشقري (الطبري 2 / 1011 - 1014) ذكر عدد غير قليل من المعارك المتفاوتة في الشهرة لا نعثر على ذكر لها في (الكامل) ولا لدي أبي مخنف لقد كان شغله الشاغل ألا يقتحم العدو نقطة تمكنه من النفوذ إلى البصرة.
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»
الفهرست