الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٧٨
مركز ثابت منه يخرج للقتال واليه يعود بل كان بغير مقامه باستمرار. ثم تهيأت له الفرصة للانتقام من هزيمة المدبح إذ هزم جيش الحكومة مرتين الأولى في خانقين والثانية في النهروان. وجاء شبيب حتى انتهى إلى بيوت المدائن ثم ارتفع بأصحابه عنها ثم خرج يسير في أرض جوخي ومضى نحو تكريت وخاف جند الكوفة في المدائن من مقدم شبيب فارتحل عامة الجند هاربين ولحقوا بالكوفة.
عند ذلك بعث الحجاج جيشا قويا قوامه أربعة آلاف رجل من الكوفة إلى المدائن بقيادة الجزل بن سعيد. وراح هذا يحاكي خطط المهلب من المطاولة وشدة الحيطة في مطاردة العدو في أرض جوخي ولم يهاجم الخوارج بل كان في الليل يخندق ويتحصن. واستمرت الحال على هذا النحو شهرين حتى نفد صبر الحجاج فعزل الجزل وولى مكانه سعيد بن المجالد الهمداني وأمره أن يلقى الخوارج وإذا لقيهم يزحف عليهم ولا يناظرهم ولا يطاولهم بل يوافقهم ويطلبهم طلب السبع ويحيد عنهم حيدان الضبع. وكان شبيب قد أخذ إلى براز الروز فنزل قطيطيا (1) ودخلها وأمر دهقانها (حاكم البلد) أن يصلح هم غداءا ففعل وأغلق الباب. فلم يفرغ من الغداء حتى أتاه سعيد في ذلك المعسكر. وكان الدهقان قد صعد السور فنظر إلى جند سعيد بن المجالد مقبلين قد دنوا من حصنه فنزل وقد تغير لونه فقال له شبيب: ما لي أراك متغير اللون؟ فقال له الدهقان: قد جاءتك الجنود من كل ناحية! ثم فرغ شبيب من طعامه هادئا وركب بغله وحمل عليهم - وسعيد على باب المدينة - فقال: لا حكم إلا للحكم الحكيم! وكان سعيد على رأس فرسانه أمامه يجمع قومه وخيله ثم يدلفها في إثره. فلما رآهم شبيب قد تقطعوا وانتشروا لف خيله كلها ثم جمعها ثم قال: استعرضوهم استعراضا وانظروا إلى أميرهم فوالله لأقتلنه أو يقتلني وحمل عليهم مستعرضا لهم فهزمهم. وثبت سعيد بن المجالد ثم نادى أصحابه وأخذ قلنسوته فوضعها على قربوس سرجه وحمل عليه شبيب فعممه بالسيف فخالط دماغه فخر ميتا. وهكذا انهزم جيش الحجاج وقتل قائده سعيد ابن مجالد. فتولى الجزل قيادة البقية التي ثبتت فقاتل قتالا شديدا حتى حمل من

(1) لا تبعد كثيرا عن النهروان (الطبري 2 / 908 س 2 ص / 909 س 2). والنهروان هي في الواقع قناة متشعبة واسم المكان المحيط بها.
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست