الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٨٤
أقرب إلى التصديق من تلك الواية الأسطورية الأخرى التي تزعم أن الفرس نفر لأنه كانت أمامه فرس أنثى فوقع عليها وكان بين الجماعة التي يقودها نفر لم يكونوا له مخلصين تمام الاخلاص وهو أمر من السهل أن يوجد في قوم لا لواء لهم يعترفون به غير الله تعالى. أخذ هؤلاء عليه أنه كان يستثنى قومه من أن يطبق عليهم ما يأمره به دين الخوارج من قتل من كان على غير رأيهم. أقارب كانوا أو غير أقارب وكانوا متحمسين في تطبيق هذا المبدأ. ولاموه كذلك على أنه كان يقبل الاعتراف بالتقية (أي من يقر - خوفا لا عن إيمان - بأنه يؤمن بمذهب الخوارج). وأنه كان يطلق سراح الاسرى بمجرد قولهم: (لا حكم إلا لله!) أو يردد عليهم هذا القول: (لا حكم إلا لله!) ليخلصهم (الطبري 1 / 967 - 968). أما أن رأفته كانت في الوقت نفسه مهارة جعلت كثيرا من أهل الكوفة يفضلون ألا يوغلوا في القتال - فهذا أمر لم يكن يعنيهم. وعلى الأخص أثار تفوق شخصيته الحقد والحسد في نفوس البعض من أمثال مصقلة بن مهلهل الضبي الذي أراد أن يقضي على سلطان الحي (شبيب) بواسطة سلطان الميت (وهو صالح بن مسرح) مؤسس الحزب.
لقد برز شبيب على أصحابه بشدة أسره وقوة بدنه وشجاعته. ولم يكن مجرد مغامر مندفع دائما فإن ما يروى عنه من غارات جريئة كان يتحدى بها - مثله مثل شمشون - الولاة والطغاة ويثير في أنفسهم الفزع - نقول: إن هذه الغارات لا تلقي ضوءا إلا على جانب من جوانب شخصيته. فقد كان إلى جانب ذلك كثير الحيطة والفطنة واسع التدبير والحيلة لم يكن لديه غير جيش صغير جدا: نواته من قومه بني شيبان ولا نعلم أنه كان في جيشه أحد من الموالي وكان عليه أن يقتصد ما استطاع في العدد القليل من الفرسان الذين كانوا معه. لهذا حرص على تزويدهم بخير السلاح والمؤونة وأن ينالوا حظهم من الراحة والاستجمام ووجد من المال ما يكفيه في بيوت أموال الحكومة. وعوض عن قلة العدد بسرعة التحرك في أرض كان يحسن اختيارها. فكان ينحرف عن العدو إذا أراد العدو الهجوم عليه ويهجم على العدو على غرة منه. وكان في الغالب على اطلاع على عمليات العدو وتحركاته لأنه كان على تفاهم تام مع نصارى البلاد الذين رأوا فيه نصيرا ضد المستبدين بهم وإذا كان هؤلاء النصارى لم يقفوا إلى جانبه علنا فقد قدموا
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست