لقتاله مع أهل المدينة ذلك أن نجدة وسائر الخوارج كانوا يوقرون أباه - عمر بن الخطاب - توقيرا شديدا. ويقال: إن نجدة كتب إلى ابن عمر يسأله عن أشياء في الفقه ولكنها كانت أسئلة عويصة فترك الإجابة عنها إلى ابن عباس فسألوا ابن عباس فدهش كيف أن رجلا لا يتورع عن سفك دماء المسلمين أنهارا يهتم ويدقق في هذه الأمور الفرعية الفقهية! ثم نجده بعد ذلك في الطائف (1) حيث جاءه عاصم ابن عروة بن مسعود الثقفي - ممثل الحكومة الشرعية - فبايعه عن قومه واستمر يسير جنوبا حتى تبالة. واستعمل عمالا له في هذه المواضع ووضع قواعد لادارتها (2). ورجع نجدة إلى البحرين وبينما أحجم عن مهاجمة البلدين الحرام:
مكة والمدينة ولم يتورع عن قطع الميرة عن أهل الحرمين الواردة إليهم من البحرين ومن اليمامة إلى أن كتب إليه ابن عباس: (أن ثمامة بن أثال لما أسلم قطع الميرة عن أهل مكة وهم مشركون فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهل مكة أهل الله فلا منعهم الميرة فجعلها لهم - وإنك قطعت الميرة عنا ونحن مسلمون. فجعلها نجدة لهم) (ابن الأثير ص / 168).
وكان نجدة بسبيل بسط سلطانه على الجزيرة العربية كلها وكان ابن الزبير ضعيف الحول. ولكن اختلف عليه أصحابه فطمع فيهم الناس. ذلك أن الخوارج لم يكونوا يحتملون السلطة عليهم مدة طويلة. حقا إنهم عارضوه لأسباب دينية كما يزعمون. فقد نقموا منه أن أعطى بعض الجنود مالا أكثر مما أعطى آخرين وهذا أيضا كان السبب فيما وقع من خلاف بينه وبين عطية بن الأسود المذكور آنفا فضلا عن أن عطية أتهم نجدة - حين كتب عبد الملك بن مروان إلى نجدة يدعوه إلى طاعته مقابل توليه اليمامة ويهدي له ما أصاب من الأموال والدماء - نقول: إن عطية اتهم نجدة قائلا: إنه ما كاتبه عبد الملك بن مروان حتى علم منه دهانا في الدين. وقد حمى بنتا لعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان - بعد أن سباها - من المصير الذي