الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٤١
بيد أن هذه الهزيمة النكراء لم تضع حدا لحركة الخوارج بل سرعان ما انبثق خوارج أخر من دماء أولئك الشهداء. وكانت نتيجتها أن أصبح الصدع بين الخوارج والجماعة صدعا لا يمكن رأبه مدى الدهر وشبيه هذا ما حدث من بعد من شقاق بين كلب وقيس نتيجة لمعركة مرج راهط. وكانت أعظم ضحية للانتقام من معركة النهروان هو الخليفة علي نفسه لان الذي حرض قاتل علي على قتله هو عروسه قطام ابنة الشجنة وقد قتل أبوها وأخوها في ذلك الحمام الدموي الذي كان يوم معركة النهروان. وهكذا انتقم مرادي وأخذ بثأر تميمية لان الامر لم يكن أمر قبيلة بل أمر حزب سياسي أو فرقة دينية.
على أن ابن الأثير يضيف ذكر بضعة أحداث وقعت بعد معركة صفين (3 / 313 وما يليها). إذ يذكر إن أشرس بن عوف الشيباني الذي نزل الدسكرة في مائتي رجل قتل في ربيع الثاني سنة 38 ه‍ وأن هلال بن علفة من تميم الرباب وأخاه مجالدا - وكانا على رأس ما يزيد على مائتي رجل في ماسبذان - قتلا في جمادي الأولى سنة 38 ه‍، وأن الأشهب بن بشر البجلي - وكان معه 180 رجلا قتل في جرجرايا على الدجلة. وزحف أبو مريم من بني سعد تميم حتى بلغ أواب الكوفة وقاتل أحد قواد علي وقتل هو في رمضان سنة 38 ه‍. وكاد جيشه أن يكون كله من الموالي والموالي كانوا أشجع الخوارج وأشدهم بسالة وجسارة (1).
وكل ما يرويه أبو مخنف - فيما نقله الطبري (1 / 3380) - هو أن فروة بن نوفل الأشجعي ترك ميدان القتال في النهروان (وانصرف في خمسمائة فارس حتى نزل البندنيجين والدسكرة) في ناحية شهرزور. ولحق به أيضا خنثر بن عبيدة المحاربي الذي قاتل يوم صفين حتى ارتث الطبري (1 / 3309 وما يليها). ذلك أنهم أبوا أن يقاتلوا عليا وإخوانهم من أهل الكوفة وكانوا بعد مقتل علي - كما يروي بكائي ابن عوانة الطبري (2 / 10) - من أشد الناس عداوة لمعاوية. فبعد أن استولى معاوية على العراق ونزل النخيلة قرب الكوفة ساروا إلى معاوية وقاتلوا فريقا من أهل الشام حتى كشفوا أهل الشام فقال معاوية لأهل الكوفة: لا أمان لكم والله عندي حتى تكفوا بوائقكم فخرج أهل الكوفة إلى الخوارج فقاتلوهم. فقالت لهم

(1) راجع اليعقوبي (2 / 262).
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»
الفهرست