وقال أيضا: وكان الأنصاري في نفسي وما زال عملاق الأقطاب ومصباحهم، ولكن الصورة التي انعكست عنه في ذهني قد ربت وعلت - وأنا منصرف بكل كياني إلى أقواله أتتبعها وأمعن فيها الفكر والنظر كمصدر لكتابي هذا - وهي أن هذا العملاق المتواضع لو أتى بأعجب العجب لا يراه وافيا بما يبحثه ويحلله ويغربله!
وهكذا الكبير كلما اتسعت آفاقه صغرت في نفسه أشياؤه وآلاؤه.....
وقال أيضا: وأيضا يظهر لي جليا من الاستقراء والاستيفاء أن كل من كتب في الأصول اللفظية من الأقطاب بعد صاحب الحاشية الكبرى على المعالم فهو عيال عليه، وأن كل من كتب في الأصول العملية منهم بعد الشيخ الأنصاري فقد اغترف من بحره الزاخر...
أقول: وأجمل وصف نستطيع أن نصف به شيخنا الأنصاري: أنه من شيعة الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذين وصفهم بأنهم: أهل الورع والاجتهاد، وأهل الوفاء والأمانة، وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكون أموالهم، ويحجون البيت، ويجتنبون كل محرم.
تقواه وزهده وتواضعه:
كان الشيخ الأعظم مصداقا لجميع مكارم الأخلاق، اقتداء منه بنبيه الأكرم محمد وأئمته الأطهار سلام الله عليهم أجمعين.
فلما توفي صاحب الجواهر بعد أن ذكر للعلماء أن أعلم الناس بعده هو الشيخ الأنصاري، امتنع الشيخ من الفتوى وأرسل رسالة إلى سعيد العلماء المازندراني وقال له: بأنا لما كنا في كربلاء وكنا نحضر درس شريف العلماء كانت استفادك وفهمك أكثر مني، فالآن الأولى لك أن تأتي إلى النجف وتستلم هذا الأمر المهم.
فأجابه سعيد العلماء: بأن قولك صحيح، لكنك كنت في هذه المدة مشغولا بالدرس والتدريس والمباحثة، وأنا تسلمت أمور الناس، فأنت أولى مني.