بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين) (١) ونحوها من الآيات التي وعد الله فيها بالفتوح في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده، وكان كما أخبر، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم النجوم ولا الكهانة، ولا يجالس أهلها.
والثاني: ما اشتمل عليه من قصص الأولين، من غير أن يعلم ذلك من أحد من علماء أهل الكتاب، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا، لا يقرأ كتابا، ولا يخطه، ولا يجالس أهل الكتاب، ليأخذ عنهم، ولما زعم بعض مشركي قريش أن ما يعلمه بشر، رد الله تعالى عليه قوله، فقال سبحانه: ﴿ولسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين﴾ (2)، وذلك أنه كان لابن الحضرمي غلامي نصرانيان، يقرآن كتابا لهما بالعبرانية، وبالرومية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهما فيحدثهما، ويعلمهما، فقال المشركون: إنما يتعلم محمد منهما، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وإذا تقرر ذلك، فاعلم أن أعظم المعجزات، وأشرفها، وأوضحها دلالة، القرآن الكريم، لأن الخوارق في الغالب، تقع مغايرة للوحي الذي يتلقاه النبي، وتأتي المعجزة شاهدة به، والقرآن بنفسه هو الوحي [المدعى]، وهو الخارق المعجز فدلالته في عينه، ولا نفتقر إلى دليل أجنبي عنه، كسائر الخوارق مع الوحي، فهو أوضح دلالة، لاتحاد الدليل والمدلول فيه.
وهذا معنى ما خرجه البخاري ومسلم، من حديث الليث، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي [أوتيته] وحيا أوحى الله إلى، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة (3).