مضيت حتى إذا كنت بالهدة، فإذا رجلان قد سبقاني بغير كثير يريدان منزلا وأحدهما داخل في الخيمة والآخر يمسك الراحلتين، قال فنظرت فإذا خالد بن الوليد، قال قلت أين تريد؟ قال محمدا، دخل الناس في الاسلام فلم يبق أحد به طعم (1)، والله لو أقمت لاخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضبع في مغارتها، قلت وأنا الله قد أردت محمدا وأردت الاسلام، فخرج عثمان بن طلحة فرحب بي فنزلنا جميعا في المنزل، ثم اتفقنا (2) حتى أتينا المدينة فما أنسى قول رجل لقيناه ببئر أبي عتبة يصيح: يا رباح يا رباح يا رباح، فتفاءلنا بقوله وسرنا، ثم نظر إلينا فأسمعه يقول: قد أعطت مكة المقادة بعد هذين، وظننت أنه يعنيني ويعني خالد بن الوليد وولى مدبرا إلى المسجد سريعا فظننت أنه بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومنا فكان كما ظننت، وأنخنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا، ثم نودي بالعصر فانطلقنا على أظلعنا (3) عليه، وإن لوجهه تهللا والمسلمون حوله قد سروا باسلامنا. فتقدم خالد بن الوليد فبايع، ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع، ثم تقدمت فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طرفي حياء منه. قال فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر، فقال " إن الاسلام يجب ما كان قبله، والهجرة تجب ما كان قبلها " قال: فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في أمر حزبه منذ أسلمنا، ولقد كنا عند أبي بكر بتلك المنزلة، ولقد كنت عند عمر بتلك الحالة وكان عمر على خالد كالعاتب. قال عبد الحميد بن جعفر شيخ الواقدي: فذكرت هذا الحديث ليزيد بن [أبي] (4) حبيب فقال: أخبرني راشد مولى حباب بن أبي أوس الثقفي عن مولاه حبيب عن عمرو بن العاص نحو ذلك.
قلت: كذلك رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن راشد عن مولاه حبيب قال حدثني عمرو بن العاص من فيه، فذكر ما تقدم في سنة خمس بعد مقتل أبي رافع، وسياق الواقدي أبسط وأحسن. قال الواقدي عن شيخه عبد الحميد: فقلت ليزيد بن أبي حبيب: وقت لك متى قدم عمرو وخالد؟ قال: لا إلا أنه قال قبل الفتح، قلت: فإن أبي أخبرني أن عمرا وخالدا وعثمان بن طلحة قدموا لهلال صفر سنة ثمان (5)، وسيأتي عند وفاة عمرو من صحيح مسلم ما يشهد لسياق إسلامه وكيفية حسن صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته، وكيف مات وهو