وذكر نحو ما تقدم. وفي صحيح مسلم من حديث حميد الخراط عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عبد الرحمن بن أبي سعيد كيف سمعت أباك في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال أبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن المسجد الذي أسس على التقوى فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض. ثم قال: " هو مسجدكم هذا " وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا ربيعة بن عثمان التميمي، عن عمران بن أبي أنس عن سهل بن سعد. قال: اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد في الذي أسس على التقوى. فقال أحدهما هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر هو مسجد قباء، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: " هو مسجدي هذا " وقال الإمام أحمد حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمران بن أبي أنس عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا " فهذه طرق متعددة لعلها تقرب من إفادة القطع بأنه مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ذهب عمر وابنه عبد الله وزيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، واختاره ابن جرير. وقال آخرون لا منافاة بين نزول الآية في مسجد قباء كما تقدم بيانه، وبين هذه الأحاديث. لان هذا المسجد أولى بهذه الصفة. من ذلك لان هذا أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا والمسجد الحرام، ومسجد بيت المقدس " وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " وذكرها. وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " وفي مسند أحمد بإسناد حسن زيادة حسنة وهي قوله: " فإن ذلك أفضل " وفي الصحيحين من حديث يحيى القطان عن حبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي " والأحاديث في فضائل هذا المسجد الشريف كثيرة جدا وسنوردها في كتاب المناسك من كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
وقد ذهب الامام مالك وأصحابه إلى أن مسجد المدينة أفضل من المسجد الحرام لان ذاك بناه إبراهيم، وهذا بناه محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم عليه السلام. وقد ذهب الجمهور إلى خلاف ذلك وقرروا أن المسجد الحرام أفضل لأنه في بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، وحرمه إبراهيم الخليل عليه السلام، ومحمد خاتم المرسلين، فاجتمع فيه من الصفات ما ليس في غيره، وبسط هذه المسألة موضع آخر وبالله المستعان.
فصل وبنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حول مسجده الشريف حجر لتكون مساكن له ولأهله وكانت مساكن