قال: أنا رسول الله إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وأنزل علي الكتاب. ثم ذكر لهم الاسلام وتلا عليهم القرآن قال فقال: إياس بن معاذ - وكان غلاما حدثا - يا قوم (1) هذا والله خير مما جئتم له. فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا. قال فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج.
قال ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك. قال محمود بن لبيد فأخبرني من حضرني من قومه أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات فما كانوا يشكون أنه قد مات مسلما، لقد كان استشعر الاسلام في ذلك المجلس، حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع (2).
قلت: كان يوم بعاث - وبعاث موضع بالمدينة - كانت فيه وقعة عظيمة قتل فيها خلق من أشراف الأوس والخزرج وكبرائهم، ولم يبق من شيوخهم إلا القليل. وقد روى البخاري في صحيحه عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة (3) عن هشام عن أبيه عن عائشة. قالت: كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد افترق ملاؤهم، وقتل سراتهم (4).
باب بدء إسلام الأنصار رضي الله عنهم قال ابن إسحاق: فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه. وانجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينا هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا. فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قالوا: لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم " من أنتم؟ " قالوا نفر من الخزرج. قال: " أمن موالي يهود؟ " قالوا نعم! قال " أفلا تجلسون أكلمكم؟ " قالوا: بلى. فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الاسلام، وتلا عليهم القرآن. قال وكان مما صنع الله بهم في الاسلام أن يهود كان معهم في بلادهم. وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا