الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول: " إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد " ثم قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن خليل، أخبرنا علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت:
استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع فقال:
" اللهم هالة ". [قالت] فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر [قد] (1) أبدلك الله خيرا منها. وهكذا رواه مسلم عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر به. وهذا ظاهر في التقرير على أن عائشة خير من خديجة إما فضلا وإما عشرة. إذا لم ينكر عليها ولا رد عليها ذلك كما هو ظاهر سياق البخاري رحمه الله ولكن قال الإمام أحمد حدثنا مؤمل أبو عبد الرحمن، حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الملك - هو ابن عمير - عن موسى بن طلحة عن عائشة قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خديجة فأطنب في الثناء عليها، فأدركني ما يدرك النساء من الغيرة، فقلت لقد أعقبك الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين. قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيرا لم أره تغير عند شئ قط إلا عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى يعلم رحمة أو عذابا. وكذا رواه عن بهز بن أسد وعثمان بن مسلم كلاهما عن حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير به. وزاد بعد قوله حمراء الشدقين، هلكت في الدهر الأول. قال: قال فتمعر وجهه تمعرا ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى ينظر رحمة أو عذابا. تفرد به أحمد. وهذا إسناد جيد. وقال الإمام أحمد أيضا عن ابن إسحاق أخبرنا مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة. قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها بأحسن الثناء. قالت فغرت يوما فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين قد أبدلك الله خيرا منها. قال: " ما أبدلني الله خيرا منها، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبنني، وآستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء " تفرد به أحمد أيضا. وإسناده لا بأس به ومجالد روى له مسلم متابعة وفيه كلام مشهور والله أعلم. ولعل هذا أعني قوله: ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء. كان قبل أن يولد إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية، وقبل مقدمها بالكلية وهذا معين. فإن جميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم وكما سيأتي من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية القبطية المصرية رضي الله عنها. وقد استدل بهذا الحديث جماعة من أهل العلم على تفضيل خديجة على عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وتكلم آخرون في إسناده وتأوله آخرون على أنها كانت خيرا عشرة وهو محتمل أو ظاهر. وسببه أن عائشة تمت بشبابها وحسنها وجميل عشرتها، وليس مرادها بقولها قد أبدلك الله خيرا منها أنها تزكي نفسها وتفضلها على خديجة، فإن هذا أمر مرجعه إلى الله عز وجل كما قال (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) [النجم: 32] وقال تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء) [النساء: 49] الآية وهذه مسألة وقع النزاع فيها بين