الحبشة. [قال ابن إسحاق] حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه أم عبد الله (1) بنت أبي حثمة قالت: والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة وقد ذهب عمر في بعض حاجتنا، إذ أقبل عمر فوقف علي وهو على شركه، فقالت: وكنا نلقى منه أذى لنا وشدة علينا، قالت: فقال إنه الانطلاق يا أم عبد الله، قلت نعم! والله لنخرجن في أرض من أرض الله إذا آذيتمونا وقهرتمونا؟
حتى يجعل الله لنا مخرجا (2). قالت فقال صحبكم الله، ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا. قالت فجاء عامر بحاجتنا تلك، فقلت له: يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا. قال: أطمعت في إسلامه قالت قلت: نعم! قال لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قالت: يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته على الاسلام (3).
قلت: هذا يرد قول من زعم أنه كان تمام الأربعين من المسلمين فإن المهاجرين إلى الحبشة كانوا فوق الثمانين، اللهم إلا أن يقال إنه كان تمام الأربعين بعد خروج المهاجرين ويؤيد هذا ما ذكره ابن إسحاق ههنا في قصة إسلام عمر وحده رضي الله عنه، وسياقها فإنه قال: وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد بن زيد، وهم مستخفون باسلامهم من عمر، وكان نعيم بن عبد الله النحام، رجل من بني عدى قد أسلم أيضا مستخفيا بإسلامه [فرقا] من قومه، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه قد ذكروا (4) له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين من بين رجال ونساء ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة. فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: أين تريد يا عمر؟ قال أريد محمدا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله.
فقال له نعيم: والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم قال: وأي أهل بيتي، قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة فقد والله أسلما وتابعا محمدا صلى الله عليه وسلم على دينه، فعليك بهما فرجع عمر