وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحثهم على رد ما كان معه فردوه بأسره لا يفقد منه شيئا فأخذه أبو العاص فرجع به إلى مكة فأعطى كل إنسان ما كان له ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لاحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني عن الاسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: فحدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الأول ولم يحدث شيئا [بعد ست سنين] (1)، وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث محمد بن إسحاق، وقال الترمذي ليس بإسناده بأس ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث ولعله قد جاء من قبل حفظ داود بن الحصين.
وقال السهيلي لم يقل به أحد من الفقهاء فيما علمت وفي لفظ ردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ست سنين، وفي رواية بعد سنتين بالنكاح الأول رواه ابن جرير وفي رواية لم يحدث نكاحا. وهذا الحديث قد أشكل على كثير من العلماء فإن القاعدة عندهم أن المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة وإن كان بعده انتظر إلى انقضاء العدة فإن أسلم فيها استمر على نكاحها وإن انقضت ولم يسلم انفسخ نكاحها وزينب رضي الله عنها أسلمت حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجرت بعد بدر بشهر وحرم المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست، وأسلم أبو العاص قبل الفتح سنة ثمان فمن قال ردها عليه بعد ست سنين أي من حين هجرتها فهو صحيح ومن قال بعد سنتين أي من حين حرمت المسلمات على المشركين فهو صحيح أيضا، وعلى كل تقدير فالظاهر انقضاء عدتها في هذه المدة التي أقلها سنتان من حين التحريم أو قريب منها فكيف ردها عليه بالنكاح الأول؟ فقال قائلون يحتمل أن عدتها لم تنقض وهذه قصة يمين يتطرق إليها الاحتمال، وعارض آخرون هذا الحديث بالحديث الأول الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجة من حديث الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد بنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد. قال الإمام أحمد هذا حديث ضعيف واه ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب إنما سمعه من محمد بن عبيد الله العرزمي. والعرزمي لا يساوي حديثه شيئا والحديث الصحيح الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها على النكاح الأول. وهكذا قال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث والصواب حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بالنكاح الأول. وقال الترمذي هذا حديث في إسناده مقال والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها أنه أحق بها ما كانت في العدة وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال آخرون بل الظاهر انقضاء عدتها، ومن روى أنه جدد لها نكاحا فضعيف ففي قضية زينب والحالة هذه دليل على أن المرأة إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها حتى