وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المسعودي، حدثنا عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل. قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال فذكر أحوال الصلاة. وقال وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء ثم إن الله فرض عليه الصيام وأنزل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) إلى قوله: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه، ثم إن الله أنزل الآية الأخرى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) إلى قوله: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فأثبت صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وأثبت الاطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام فهذان حولان. قال وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا. ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جهد جهدا شديدا فقال: " مالي أراك قد جهدت جهدا شديدا " فأخبره، قال وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم) إلى قوله: (ثم أتموا الصيام إلى الليل).
ورواه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه من حديث المسعودي نحوه وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: كان عاشوراء يصام، فلما نزل رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر. وللبخاري عن ابن عمر وابن مسعود مثله. ولتحرير هذا، موضع آخر من التفسير ومن الاحكام الكبير وبالله المستعان.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة أمر الناس بزكاة الفطر، وقد قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل الفطر بيوم - أو يومين - وأمرهم بذلك، قال وفيها صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد وخرج بالناس إلى المصلى فكان أول صلاة عيد صلاها وخرجوا بين يديه بالحربة (1) وكان للزبير وهبها له النجاشي فكانت تحمل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأعياد.
قلت: وفي هذه السنة فيما ذكره غير واحد من المتأخرين فرضت الزكاة ذات النصب (2) كما سيأتي تفصيل ذلك كله بعد وقعة بدر إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.