خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مهاجرين فدخلا الغار، إذا في الغار جحر فألقمه أبو بكر عقبه حتى أصبح مخافة أن يخرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شئ. فأقاما في الغار ثلاث ليال ثم خرجا حتى نزلا بخيمات أم معبد فأرسلت إليه أم معبد إني أرى وجوها حسانا، وإن الحي أقوى على كرامتكم مني، فلما أمسوا عندها بعثت مع ابن لها صغير بشفرة وشاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أردد الشفرة وهات لنا فرقا " يعني القدح فأرسلت إليه أن لا لبن فيها ولا ولد. قال هات لنا فرقا فجاءت بفرق فضرب ظهرها فاجترت ودرت فحلب فملأ القدح فشرب وسقى أبا بكر، ثم حلب فبعث فيه إلى أم معبد. ثم قال البزار لا نعلمه يروى إلا بهذا الاسناد. وعبد الرحمن بن عقبة لا نعلم أحدا حدث عنه إلا يعقوب بن محمد وإن كان معروفا في النسب.
وروى الحافظ البيهقي من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني، سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بكر الصديق [رضي الله عنه]. قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فانتهينا إلى حي من أحياء العرب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت منتحيا فقصد إليه، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة فقالت:
يا عبد الله! إنما أنا امرأة وليس معي أحد، فعليكما بعظيم الحي إن أردتم القرى، قال فلم يجبها وذلك عند المساء، فجاء ابن لها بأعنز [لها] يسوقها، فقالت: يا بني انطلق بهذه العنز والشفرة إلى هذين الرجلين فقل لهما تقول لكما أمي: اذبحا هذه وكلا وأطعمانا، فلما جاء قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " انطلق بالشفرة وجئني بالقدح " قال إنها قد عزبت وليس بها لبن، قال انطلق، [فانطلق] فجاء بقدح فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضرعها، ثم حلب حتى ملا القدح، ثم قال: انطلق به إلى أمك، فشربت حتى رويت، ثم جاء به فقال: انطلق بهذه وجئني بأخرى. ففعل بها كذلك ثم سقى أبا بكر، ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك، ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم [قال] فبتنا ليلتنا، ثم انطلقنا. فكانت تسميه المبارك. وكثرت غنمها حتى جلبت جلبا إلى المدينة، فمر أبو بكر فرأى ابنها فعرفه، فقال: يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك. فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال أو ما تدرين من هو؟ قالت: لا، قال هو نبي الله. قالت:
فأدخلني عليه. قال: فأدخلها فأطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها - زاد ابن عبدان (1) في روايته - قالت فدلني عليه، فانطلقت معي وأهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من أقط ومتاع الاعراب. قال فكساها وأعطاها. قال: ولا أعلمه إلا قال وأسلمت (2). إسناد حسن.
وقال البيهقي: هذه القصة شبيهة بقصة أم معبد، والظاهر أنها هي والله أعلم (3). وقال