مالا يعيش به (1). واختار شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي أن المراد بالمعدوم ههنا المال المعطى، أي يعطى المال لمن هو عادمه. ومن قال إن المراد أنك تكسب باتجارك المال المعدوم، أو النفيس القليل النظير، فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وتكلف ما ليس له به علم، فإن مثل هذا لا يمدح به غالبا، وقد ضعف هذا القول عياض والنووي وغيرهما والله أعلم.
وتقري الضيف - أي تكرمه في تقديم قراه، وإحسان مأواه. وتعين على نوائب الحق ويروى الخير، أي إذا وقعت نائبة لاحد في خير أعنت فيها، وقمت مع صاحبها حتى يجد سدادا من عيش أو قواما من عيش، وقوله: ثم أخذته فانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل. وكان شيخا كبيرا قد عمي. وقد قدمنا طرفا من خبره مع ذكر زيد بن عمرو بن نفيل رحمه الله. وأنه كان ممن تنصر في الجاهلية ففارقهم وارتحل إلى الشام، هو وزيد بن عمرو وعثمان بن الحويرث، وعبيد الله بن جحش فتنصروا كلهم، لأنهم وجدوه أقرب الأديان إذ ذاك إلى الحق، إلا زيد بن عمرو بن نفيل فإنه رأى فيه دخلا وتخبيطا وتبديلا وتحريفا وتأويلا. فأبت فطرته الدخول فيه أيضا، وبشروه الأحبار والرهبان بوجود نبي قد أزف زمانه واقترب أوانه، فرجع يتطلب ذلك، واستمر على فطرته وتوحيده. لكن اخترمته المنية قبل البعثة المحمدية (2). وأدركها ورقة بن نوفل وكان يتوسمها في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا بما كانت خديجة تنعته له وتصفه له، وما هو منطو عليه من الصفات الطاهرة الجميلة وما ظهر عليه من الدلائل والآيات، ولهذا لما وقع ما وقع أخذت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت به إليه فوقفت به عليه. وقالت: ابن عم اسمع من ابن أخيك، فلما قص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى قال ورقة: سبوح سبوح (3)، هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ولم يذكر عيسى وإن كان متأخرا بعد موسى، لأنه كانت شريعته متممة ومكملة لشريعة موسى عليهما السلام، ونسخت بعضها على الصحيح من قول العلماء. كما قال: (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) [آل عمران: 50]. وقول ورقة هذا كما قالت الجن: (يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق إلى طريق مستقيم) [الأحقاف: 30]. ثم قال ورقة: يا ليتني فيها جذعا. أي يا ليتني أكون اليوم شابا متمكنا من الايمان والعلم النافع والعمل الصالح، يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك يعني حتى أخرج معك وأنصرك؟ فعندها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو مخرجي هم؟ " قال السهيلي وإنما قال ذلك، لان فراق الوطن شديد على النفوس، فقال: نعم! إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي،