وأطاعوا واغتسلوا وتنظفوا وتطيبوا، فلما كان اليوم الثالث ركب (1) الجبل غمامة عظيمة وفيها أصوات وبروق وصوت الصور شديد جدا ففزع بنو إسرائيل من ذلك فزعا شديدا، وخرجوا فقاموا في سفح الجبل، وغشي الجبل دخان عظيم، في وسطه عمود [من] (2) نور، وتزلزل الجبل كله، زلزلة شديدة واستمر صوت الصور وهو البوق واشتد وموسى عليه السلام فوق الجبل والله يكلمه ويناجيه، وأمر الرب عز وجل موسى أن ينزل، فأمر بني إسرائيل أن يقتربوا من الجبل ليسمعوا وصية الله ويأمر الأحبار - وهم علمائهم - أن يدنوا فيصعدوا الجبل ليتقدموا بالقرب وهذا نص في كتابهم على وقوع النسخ لا محالة فقال موسى: يا رب إنهم لا يستطيعون أن يصعدوه، وقد نهيتهم عن ذلك، فأمره الله تعالى أن يذهب، فيأتي معه بأخيه هارون وليكن الكهنة - وهم العلماء - والشعب - وهم بقية بني إسرائيل غير بعيد - ففعل موسى وكلمه ربه عز وجل فأمره حينئذ بالعشر كلمات.
وعندهم أن بني إسرائيل سمعوا كلام الله ولكن لم يفهموا حتى فهمهم موسى وجعلوا يقولون لموسى بلغنا أنت عن الرب عز وجل فإنا نخاف أن نموت، فبلغهم عنه، فقال: هذه العشر الكلمات: وهي الامر بعبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن الحلف بالله كاذبا، والامر بالمحافظة على السبت، ومعناه تفرغ يوم من الأسبوع للعبادة * وهذا حاصل بيوم الجمعة الذي نسخ الله به السبت. أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض، الذي يعطيك الله ربك، لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد على صاحبك شهادة زور، لا تمد عينك إلى بيت صاحبك، ولا تشته امرأة صاحبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا من الذي لصاحبك. ومعناه النهي عن الحسد. وقد قال كثير من علماء السلف وغيرهم مضمون هذه العشر الكلمات في آيتين من القرآن وهما قوله تعالى في سورة الأنعام (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده. وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه الآية) [الانعام: 151 - 153] وذكروا بعد العشر الكلمات وصايا كثيرة، وأحكاما متفرقة عزيزة، كانت فزالت، وعمل بها حينا من الدهر * ثم طرأ عليها عصيان من المكلفين بها ثم عمدوا إليها فبدلوها وحرفوها، وأولوها. ثم بعد ذلك كله سلبوها فصارت منسوخة مبدلة، بعد ما كانت مشروعة مكملة، فلله الامر من قبل ومن بعد،