عليهم كما سيأتي في قصة أهل مدين أصحاب الأيكة فإنه اجتمع عليهم أنواع من العقوبات * ثم لا خلاف أن عادا قبل ثمود.
والمقصود أن عادا كانوا عربا جفاة كافرين عتاة متمردين في عبادة الأصنام فأرسل الله فيهم رجلا منهم يدعوهم إلى الله وإلى إفراده بالعبادة والاخلاص له فكذبوه وخالفوه وتنقصوه فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر فلما أمرهم بعبادة الله ورغبهم في طاعته واستغفاره ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة وتوعدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة (قال الملا الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة) أي هذا الامر الذي تدعونا إليه سفه بالنسبة إلى ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يرتجى منها النصر والرزق ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك (قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين) أي ليس الامر كما تظنون ولا ما تعتقدون (أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) والبلاغ يستلزم عدم الكذب في أصل المبلغ وعدم الزيادة فيه والنقص منه ويستلزم إبلاغه بعبارة فصيحة وجيزة جامعة مانعة لا لبس فيها ولا اختلاف ولا اضطراب وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه والشفقة عليهم والحرص على هدايتهم لا يبتغي منهم أجرا ولا يطلب منهم جعلا بل هو مخلص لله عز وجل في الدعوة إليه والنصح لخلقه لا يطلب أجره إلا من الذي أرسله فإن خير الدنيا والآخرة كله في يديه وأمره إليه ولهذا (قال يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون) [هود: 51] أي مالكم عقل تميزون به وتفهمون أني أدعوكم إلى الحق المبين الذي تشهد به فطركم التي خلقتم عليها وهو دين الحق الذي بعث الله به نوحا وأهلك من خالفه من الخلق وها أنا أدعوكم إليه ولا أسألكم أجرا عليه بل أبتغي ذلك عند الله مالك الضر والنفع ولهذا قال مؤمن يس (اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون. ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) وقال قوم هود له فيما قالوا (يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين. إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) [هود: 53] يقولون ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه وعندنا إنما أصابك هذا أن بعض آلهتنا غضب عليك فأصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك وهو قولهم (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون) [هود: 54] وهذا تحد منه لهم وتبر من آلهتم وتنقص منه لها وبيان أنها لا تنفع شيئا ولا تضر وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله. فان كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر فها أنا برئ منها لاعن لها (فكيدوني ثم لا تنظرون) أنتم جميعا بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه وتقدروا عليه (1) ولا تؤخروني ساعة واحدة ولا طرفة عين فإني لا أبالي بكم ولا أفكر فيكم ولا أنظر إليكم