آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرة. لا تخرجوا! فتسللوا بالناس يمينا وشمالا. قال عبد الرحمن بن عوف، فقلت: نعم، يا أمير المؤمنين، ولم تمنعنا من الجهاد؟ فقال: لان أسكت عنك، فلا أجيبك، خير لك من أن أجيبك.
ثم اندفع يحدث عن أبي بكر، حتى قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه.
وروي عن ابن عباس قال: طرقني عمر بن الخطاب بعد هدأة من الليل، فقال: اخرج بنا نحرس نواحي المدينة! فخرج، وعلى عنقه درته، حافيا، حتى أتى بقيع الغرقد، فاستلقى على ظهره، وجعل يضرب أخمص قدميه بيده وتأوه صعدا، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما أخرجك إلى هذا الامر؟ قال:
أمر الله يا ابن عباس! قال: إن شئت أخبرتك بما في نفسك. قال: غص غواص، إن كنت لتقول فتحسن. قال: ذكرت هذا الامر بعينه وإلى من تصيره. قال: صدقت! قال فقلت له: أين أنت عن عبد الرحمن بن عوف؟
فقال: ذاك رجل ممسك، وهذا الامر لا يصلح إلا لمعط في غير سرف ومانع في غير إقتار. قال فقلت: سعد بن أبي وقاص؟ قال: مؤمن ضعيف!
قال فقلت: طلحة بن عبد الله؟ قال: ذاك رجل يناول للشرف والمديح، يعطي ماله حتى يصل إلى مال غيره، وفيه بأو وكبر. قال فقلت: فالزبير بن العوام، فهو فارس الاسلام؟ قال: ذاك يوم إنسان ويوم شيطان، وعفة نفس، إن كان ليكادح على المكيلة من بكرة إلى الظهر حتى يفوته الصلاة. قال فقلت:
عثمان بن عفان؟ قال: إن ولي حمل ابن أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس، وأعطاهم مال الله، ولئن ولي ليفعلن والله، ولئن فعل لتسيرن العرب إليه حتى تقتله في بيته. ثم سكت. قال فقال: امضها يا ابن عباس! أترى صاحبكم لها موضعا؟ قال فقلت: وأين يتبعد من ذلك مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه؟ قال: هو والله كما ذكرت ولو وليهم تحملهم على منهج الطريق، فأخذ المحجة الواضحة، إلا أن فيه خصالا: الدعابة في المجلس،