يا دهر أف لك من خليل، * كم لك في الاشراق والأصيل من طالب وصاحب قتيل، * والدهر لا يقنع بالبديل وإنما الامر إلى الجليل، * وكل حي سالك السبيل ففهمت ما قال، وعرفت ما أراد، وخنقتني عبرتي، ورددت دمعي، وعرفت أن البلاء قد نزل بنا، فأما عمتي زينب، فإنها لما سمعت ما سمعت، والنساء من شأنهن الرقة والجزع، لم تملك أن وثبت تجر ثوبها حاسرة، وهي تقول: وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة اليوم! ماتت فاطمة وعلي والحسن ابن علي أخي، فنظر إليها فردد غصته، ثم قال: يا أختي اتقي الله، فإن الموت نازل لا محالة! فلطمت وجهها، وشقت جيبها، وخرت مغشيا عليها، وصاحت: وا ويلاه! وا ثكلاه! فتقدم إليها، فصب على وجهها الماء، وقال لها: يا أختاه، تعزي بعزاء الله، فإن لي ولكل مسلم أسوة برسول الله، ثم قال: اني أقسم عليك، فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور، ثم جاء بها حتى أجلسها عندي، فإني لمريض مدنف، وخرج إلى أصحابه.
فلما كان من الغد خرج فكلم القوم، وعظم عليهم حقه، وذكرهم الله عز وجل ورسوله، وسألهم أن يخلوا بينه وبين الرجوع، فأبوا إلا قتاله، أو أخذه حتى يأتوا به عبيد الله بن زياد، فجعل يكلم القوم بعد القوم والرجل بعد الرجل، فيقولون: ما ندري ما تقول، فأقبل على أصحابه فقال: ان القوم ليسوا يقصدون غيري، وقد قضيتم ما عليكم فانصرفوا، فأنتم في حل. فقالوا:
لا والله، يا ابن رسول الله، حتى تكون أنفسنا قبل نفسك، فجزاهم الخير.
وخرج زهير بن القين على فرس له فنادى: يا أهل الكوفة! نذار لكم من عذاب الله! نذار عباد الله! ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ولد سمية، فإن: لم تنصروهم، فلا تقاتلوهم. أيها الناس! انه ما أصبح على ظهر الأرض