كأنهم جمال جون، فقال: بهؤلاء تمنع مكة. وحج أكثم بن صيفي في ناس من بني تميم فرآهم يخترقون البطحاء كأنهم أبرجة الفضة يلحقون الأرض جيرانهم. فقال: يا بني تميم إذا أحب الله أن ينشئ دولة نبت لها مثل هؤلاء.
هؤلاء غرس الله لا غرس الرجال. وكان يفرش لعبد المطلب بفناء الكعبة، فلا يقرب فراشه حتى يأتي رسول الله، وهو غلام، فيتخطى رقاب عمومته، فيقول لهم عبد المطلب: دعوا ابني، إن لابني هذا لشأنا.
وكان عبد المطلب قد وفد على سيف بن ذي يزن مع جلة قومه لما غلب على اليمن، فقدمه سيف عليهم جميعا وآثره. ثم خلا به فبشره برسول الله ووصف له صفته، فكبر عبد المطلب وعرف صدق ما قال سيف، ثم خر ساجدا. فقال له سيف: هل أحسست لما قلت نبأ؟ فقال له: نعم! ولد لابني غلام على مثال ما وصفت، أيها الملك. قال: فاحذر عليه اليهود وقومك، وقومك أشد من اليهود، والله متمم أمره ومعل دعوته. وكان أصحاب الكتاب لا يزالون يقولون لعبد المطلب في رسول الله منذ ولد فيعظم بذلك ابتهاج عبد المطلب. فقال: أما والله لئن نفستني قريش الماء، يعني ماء سقاه الله من زمزم وذي الهرم، لتنفسني غدا الشرف العظيم والبناء الكريم والعز الباقي والسناء العالي إلى آخر الدهر ويوم الحشر.
وتوالت على قريش سنون مجدبة حتى ذهب الزرع وقحل الضرع، ففزعوا وقالوا: قد سقانا الله بك مرة بعد أخرى فادع الله أن يسقينا، وسمعوا صوتا ينادي من بعض جبال مكة: معشر قريش إن النبي الأمي منكم، وهذا أوان توكفه، ألا فانظروا منكم رجلا عظاما جساما له سن يدعو إليه وشرف يعظم عليه فليخرج هو وولده ليمسوا من الماء ويلتمسوا من الطيب ويستلموا الركن، وليدع الرجل وليؤمن القوم فخصبتم ما شئتم إذا وغثتم، فلم يبق أحد بمكة إلا قال: هذا شيبة الحمد، هذا شيبة الحمد.
فخرج عبد المطلب ومعه رسول الله، وهو يومئذ مشدود الإزار، فقال عبد