أمرني أن أدفعها إليه، وهذه الرقعة. فأخذها المهدي وضحك وقال: صدق هذا خطي وهذا خاتمي أفلا أخبركم بالقصة كيف كانت؟ قلنا: أمير المؤمنين أعلى عينا في ذلك.
قال: خرجت أمس إلى الصيد في غب سماء. فلما أصحت هاج علينا ضباب شديد وفقدت أصحابي حتى ما رأيت منهم أحدا وأصابني من البرد والجوع والعطش ما الله به أعلم، وتحيرت عند ذلك، فذكرت دعاء سمعته من أبي يحكيه عن أبيه عن جده عن ابن عباس رفعه قال: " من قال إذا أصبح وإذا أمسى: بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اعتصمت بالله وتوكلت على الله، حسبي الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقي وكفي وشفى من الحرق والغرق والهدم وميتة السوء " فلما قلتها رفع لي ضوء نار فقصدتها فإذا بها الأعرابي في خيمة له، وإذا هو يوقد نارا بين يديه، فقلت: أيها الأعرابي! هل من ضيافة؟ قال: انزل. فنزلت. فقال لزوجته: هاتي ذاك الشعير، فأتت به فقال: اطحنيه، فابتدأت تطحنه فقلت له: اسقني ماء، فأتاني بسقاء فيه مذقة من لبن أكثرها ماء فشربت منها شربة ما شربت شيئا قط، إلا هي أطيب منه. قال: وأعطاني حلسا، فوضعت رأسي عليه فنمت نومة ما نمت نومة أطيب منها وألذ، ثم انتبهت فإذا هو قد وثب إلى شويهة فذبحها، وإذا امرأته تقول له:
ويحك قتلت نفسك وصبيتك، إنما كان معاشكم من هذه الشاة فذبحتها فبأي شئ نعيش؟ قال: فقلت: لا عليك هات الشاة فشققت جوفها واستخرجت كبدها بسكين كانت في خفى، فشرحتها ثم طرحتها على النار فأكلتها، ثم قلت: هل عندك شئ أكتب لك فيه؟ فجاءني بهذه القطعة الجراب، فأخذت عودا من الزناد الذي كان بين يديه فكتبت له هذا الكتاب، وختمته بهذا الخاتم وأمرته أن يجيء ويسأل على الربيع فيدفعها إليه، فإذا في الرقعة خمسمائة ألف درهم فقال: والله ما أردت إلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمسمائة ألف درهم لا أنقص والله منها درهما واحدا ولو لم يكن في بيت المار غيرها، احملوها معه، فما كان إلا قليلا حتى كثرت إبله وشاؤه وصار منزلا من المنازل ينزله الناس ممن أراد الحج من الأنبار إلى مكة، وسمى منزل مضيف أمير المؤمنين المهدي.
أخبرني أبو القاسم الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد ابن عرفة قال: وخرج المهدي يوما إلى الصيد فانقطع عن خاصته، فدفع إلى أعرابي،