تهذيب الأصول - تقرير بحث السيد الخميني ، للسبحاني - ج ٣ - الصفحة ١٧٨
أمر طبيعي، وهو ان نظام الدنيا والمعاش وإن كان يمنع عن نفر الجميع، لا انه لماذا لا ينفر عدة منهم للتفقه، فظاهرها هو كون الغاية من النفر، هو التفقه، هذا مع قطع النظر عن الروايات، نعم يمكن الخدشة في الباقي، فان دعوى كون ما ينذر به، من جنس ما يتفقه فيه، ممنوعة، لان الانذار ببيان الأحكام الشرعية ضمني، وهذا بخلاف الانذار، بايراد المواعظ، وبيان درجات أهل الجنة ودركات أهل النار فان ذلك يزعزع القلوب، ويملأها من خشية الله، فإذا خافوا يرشدهم عقلهم إلى تحصيل المؤمن من العقاب، وليس المؤمن عنده الا العلم بشرائطه واحكامه مقدمة للعمل بها والحاصل ان النفر له غايتان: التفقه في الدين، وانذار القوم وموعظتهم، فللفقيه وظيفتان، فهم احكامه وانذار قومه بما أنذر الله به ولا دليل على كون ما أنذر من جنس ما تفقه فيه ولعل الزام الفقيه على انذار قومه، لأجل كون الفقيه اعرف بحدود ما ينذر به، وشرائط الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، أضف إليه ان لكلامه تأثيرا في القوم، لعلو كعبه، وعظم مقامه لديهم.
كما أن تخصيص التفقه في الدين، بالفروع تخصيص بلا جهة، لان الدين يطلق علي أصوله وعروقه كما في قوله تعالى: ان الدين عند الله الاسلام ويظهر أيضا من الروايات عموميته كما سيوافيك وعليه فلا يمكن القول بوجوب قبول قوله تعبدا لعدم حجية قوله في الأصول الا ان يقال إن الاطلاق مقيد بإفادة العلم في الأصول، بحكم العقل والأدلة.
نعم ظاهر الآية يعطى ثبوت الأمر الخامس، وهو كون المنذر كل واحد من النافرين الا انه يدل على أن لكل واحد منهم انذار القوم جميعا، لا بعض القوم، كما هو مبنى الاستدلال (فح) يسقط الآية عن الدلالة، لأنه ربما يحصل العلم بانذار المنذرين جميع القوم، ولا يدل على وجوب القبول من كل واحد تعبدا وان لم ينضم إليه الآخرون، كما أن حمل الحذر على قبول قول الغير والعمل بمقتضاه، خلاف الظاهر، فإنه ظاهر في الحذر بمعنى الخوف القلبي الحاصل من انذار الناذرين.
والعمدة انه لا اطلاق للآية الكريمة ضرورة انها بصدد بيان كيفية النفر وانه
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»
الفهرست