قوة من أهل قريتك الذين كانوا سببا لخروجك من بينهم ووصف القرية الأولى بشدة القوة للإيذان بأولوية الثانية منها بالإهلاك لضعف قوتها كما أن وصف الثانية بإخراجه عليه الصلاة والسلام للايذان بأولويتها به لقوة جنايتها وعلى طريقته قول النابغة * كليب لعمري كان أكثر ناصرا * وأيسر جرما منك ضرج بالدم * وقوله تعالى «فلا ناصر لهم» بيان لعدم خلاصهم من العذاب بواسطة الأعوان والأنصار إثر بيان عدم خلاصهم منه بأنفسهم والفاء لترتيب ذكر ما بالغير على ذكر ما بالذات وهو حكاية حال ماضية «أفمن كان على بينة من ربه» تقرير لتباين حالي فريقى المؤمنين والكافرين وكون الأوليين في أعلى عليين والآخرين في أسفل سافلين وبيان لعلة ما لكل منهما من الحال والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام وقد قرئ بدونها ومن عبارة عن المؤمنين المتمسكين بأدلة الدين وجعلها عبارة عن النبي عليه الصلاة والسلام أو عنه وعن المؤمنين لا يساعده النظم الكريم على أن الموازنة بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم مما يأباه منصبه الجليل والتقدير أليس الأمر كما ذكر فمن كان مستقرا على حجة ظاهرة وبرهان نير من مالك أمره ومربيه وهو القرآن الكريم وسائر المعجزات والحجج العقلية «كمن زين له سوء عمله» من الشرك وسائر المعاصي مع كونه في نفسه أقبح القبائح «واتبعوا» بسبب ذلك التزيين «أهواءهم» الزائغة وانهمكوا في فنون الضلالات من غير أن يكون لهم شبهة توهم صحة ما تم عليه فضلا عن حجة تدل عليه وجمع الضميرين الأخيرين باعتبار معنى من كما أن إفراد الأولين باعتبار لفظها «مثل الجنة التي وعد المتقون» استئناف مسوق لشرح محاسن الجنة الموعودة آنفا للمؤمنين وبيان كيفية أنهارها التي أشير إلى جريانها من تحتها وعبر عنهم بالمتقين إيذانا بأن الإيمان والعمل الصالح من باب التقوى الذي هو عبارة عن فعل الواجبات بأسرها وترك السيئات عن آ خرها ومثلها وصفها العجيب الشأن وهو مبتدأ محذوف الخبر فقدره النضر بن شميل مثل الجنة ما تسمعون وقوله تعالى «فيها أنهار» الخ مفسر له وقدره سيبويه فيما يتلى عليكم مثل الجنة والأول هو الأنسب لصدر النظم الكريم وقيل المثل زائدة كزيادة الاسم في قول من قال * إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * والجنة مبتدأ خبره فيها أنهار الخ «من ماء غير آسن» غير متغير الطعم والرائحة وقرئ غير آسن «وأنهار من لبن لم يتغير طعمه» بأن صار قارصا ولا خازرا كألبان الدنيا «وأنهار من خمر لذة للشاربين» لذيذة ليس فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر ولا خمار وإنما هي تلذذ محض ولذة إما تأنيث لذ بمعنى لذيذ أو مصدر نعت
(٩٥)