فإن كفرهم به ليس بسبب هذا القول ولو فرض صدوره عنهم سواء كان المقول لهم المنافقين أو المشركين على رأى القائل بل من حين بعثته عليه الصلاة والسلام «للذين كرهوا ما نزل الله» أي لليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عملهم بأنه من عند الله تعالى حسدا وطمعا في نزوله عليهم لا للمشركين كما قيل فإن قوله تعالى «سنطيعكم في بعض الأمر» عبارة قطعا عما حكى عنهم بقوله تعالى ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم وهم بنو قريظة والنضير الذين كانوا يوالونهم ويوادونهم وأرادوا بالبعض الذي أشاروا إلى عدم إطاعتهم فيه إظهار كفرهم وإعلان أمرهم بالفعل قبل قتالهم وإخراجهم من ديارهم فإنهم كانوا يأبون ذلك قبل مساس الحاجة الضرورية الداعية إليه لما كان لهم في إظهار الإيمان من المنافع الدنيوية وإنما كانوا يقولون لهم ما يقولون سرا كما يعرب عنه قوله تعالى «والله يعلم إسرارهم» أي إخفاءهم لما يقولونه لليهود وقرئ أسرارهم أي جميع أسرارهم التي من جملتها قولهم هذا والجملة اعتراض مقرر لما قبله متضمن للإفشاء في الدنيا والتعذيب في الآخرة والفاء في قوله تعالى «فكيف إذا توفتهم الملائكة» لترتيب ما بعدها على ما قبلها وكيف منصوب بفعل محذوف هو العامل في الظروف كأنه قيل يفعلون في حياتهم ما يفعلون من الحيل فكيف يفعلون إذا توفتهم الملائكة وقيل مرفوع على انه خبر لمبتدأ محذوف أي فكيف حالهم أو حيلهم إذا توفتهم الخ وقرئ توفاهم على انه إما ماض أو مضارع قد حذف إحدى تاءيه «يضربون وجوههم وأدبارهم» حال من فاعل توفتهم أو من مفعوله وهو تصوير لتوفيهم على أهوال الوجوه وأفظعها وعن ابن عباس رضى الله عنهما لا يتوفى أحد على معصية إلا يضرب الملائكة وجهه ودبره «ذلك» التوفى الهائل «بأنهم» أي بسبب أنهم «اتبعوا ما أسخط الله» من الكفر والمعاصي «وكرهوا رضوانه» أي ما يرضاه من الإيمان والطاعة حيث كفروا بعد الإيمان وخرجوا عن الطاعة بما صنعوا من المعاملة مع اليهود «فأحبط» لأجل ذلك «أعمالهم» التي عملوها حال إيمانهم من الطاعات أو بعد ذلك من أعمال البر التي لو عملوها حال الإيمان لا نتفعوا بها «أم حسب الذين في قلوبهم مرض» هم المنافقون الذين فصلت أحوالهم الشنيعة وصفوا بوصفهم السابق لكونه مدار لما نعى عليهم بقوله تعالى «أن لن يخرج الله أضغانهم» فأم منقطعة وأن مخففة من أن وضمير الشأن الذي هو اسمها محذوف ولن بما في حيزها خبرها والأضغان جمع ضعن وهو الحقد أي بل أحسب الذين في قلوبهم حقدا وعداوة للمؤمنين أنه لن يخرج الله أحقادهم
(١٠٠)