تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٩٧
الساعة والمعنى أنهم لا يتذكرون بذكر أهوال الأمم الخالية ولا بالاخبار بإتيان الساعة وما فيها من عظائم الأهوال وما ينتظرون للتذكر إلا اتيان نفس الساعة بغتة وقرئ بغتة بفتح الغين وقوله تعالى «فقد جاء أشراطها» تعليل لمفاجأتها لا لإتيانها مطلقا على معنى أنه لم يبق من الأمور الموجبة للتذكر أمر مترقب ينتظرونه سوى إتيان نفس الساعة إذ قد جاء أشراطها فلم يرفعوا لها رأسا ولم يعدوها من مبادى إتيانها فيكون إتيانها بطريق المفاجأة لا محالة والأشراط جمع شرط بالتحريك وهى العلامة والمراد بها مبعثه صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر ونحوهما وقوله تعالى «فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم» حكم بخطئهم وفساد رأيهم في تأخير التذكر إلى إتيانها ببيان استحالة نفع التذكر حينئذ كقوله تعالى يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى أي وكيف لهم ذكراهم إذا جاءتهم على أن أنى خبر مقدم وذكراهم مبتدأ وإذا جاءتهم اعتراض وسط بينهما رمزا إلى غاية سرعة مجيئها وإطلاق المجىء عن قيد البغتة لما أن مدار استحالة نفع التذكر كونه عند مجيئه مطلقا لا مقيدا بقيد البغتة وقرئ إن تأتيهم على انه شرط مستأنف جزاؤه فأنى لهم الخ والمعنى إن تأتهم الساعة بغتة لأنه قد ظهر أماراتها فكيف لهم تذكرهم واتعاظهم إذا جاءتهم «فاعلم أنه لا إله إلا الله» إي إذا علمت أن مدار السعادة هو التوحيد والطاعة ومناط الشقاوة هو الإشراك والعصيان فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية والعمل بموجبه «واستغفر لذنبك» وهو الذي ربما يصدر عنه عليه الصلاة والسلام من ترك الأولى عبر عنه بالذنب نظرا إلى منصبه الجليل كيف لا وحسنات الأبرار سيئات المقربين وإرشاد له عليه الصلاة والسلام إلى التواضع وهضم النفس واستقصار العمل «وللمؤمنين والمؤمنات» إي لذنوبهم بالدعاء لهم وترغيبهم فيما يستدعى غفرانهم وفى إعادة صلة الاستغفار تنبيه على اختلاف متعلقيه جنسا وفى حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه إشعار بعراقتهم في الذنب وفرط افتقارهم إلى الاستغفار «والله يعلم متقلبكم» في الدنيا فإنها مراحل لا بد من قطعها لا محالة «ومثواكم» في العقبى فإنها مواطن إقامتكم فلا يأمركم إلا بما هو خير لكم فيهما فبادروا إلى الامتثال بما امركم به فإنه المهم لكم في المقامين وقيل يعلم جميع أحوالكم فلا يخفى عليه شئ منها «ويقول الذين آمنوا» حرصا منهم على الجهاد «لولا نزلت سورة» أي هلا نزلت سورة تؤمر فيها بالجهاد «فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال» بطريق الأمر به أي سورة مبينة لا تشابه ولا احتمال فيها لوجه آخر سوى وجوب القتال عن قتادة كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة لم تنسخ وقرئ فإذا نزلت
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة