والضمير إما مبهم يوضحه قوله تعالى «عارضا» إما تمييزا أو حالا أو راجع إلى ما استعجلوه بقولهم فأئتنا بما تعدنا أي فأتاهم فلما رأوه سحابا يعرض في أفق السماء «مستقبل أوديتهم» أي متوجه أوديتهم والإضافة فيه لفظية كما في قوله تعالى «قالوا هذا عارض ممطرنا» ولذلك وقعا وصفين للنكرة «بل هو» أي قال هود وقد قرئ كذلك وقرئ قل وهو رد عليهم أي ليس الأمر كذلك بل هو «ما استعجلتم به» من العذاب «ريح» بدل من ما أو خبر لمبتدأ محذوف «فيها عذاب أليم» صفة لريح وكذا قوله تعالى «تدمر» أي تهلك «كل شيء» من نفوسهم وأموالهم «بأمر ربها» وقرئ يدمر كل شئ من دمر دمارا إذا هلك فالعائد إلى الموصوف محذوف أو هو الهاء في ربها ويجوز ان يكون استئنافا وأرادا لبيان أن لكل ممكن فناء مقضيا منوطا بأمر بارئه وتكون الهاء لكل شئ لكونه بمعنى الأشياء وفى ذكر الأمر والرب والإضافة إلى الريح من الدلالة على عظمة شأنه عز وجل ما لا يخفى والفاء في قوله تعالى «فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم» فصيحة أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لا يرى إلا مساكنهم وقرئ ترى بالتاء ونصب مساكنهم خطابا لكل أحد يتأنى منه الرؤية تنبيها على أن حالهم بحيث لو حضر كل أحد بلادهم لا يرى فيها إلا مساكنهم «كذلك» أي مثل ذلك الجزاء الفظيع «نجزي القوم المجرمين» وقد مر تفصيل القصة في سورة الأعراف وقد روى أن الريح كانت تحمل الفسطاط والظعينة فترفعها في الجو حتى ترى كأنها جرادة قيل أول من أبصر العذاب امرأة منهم قالت رأيت ريحا فيها كشهب النار وروى أن أول ما عرفوا به أنه عذاب ما رأوا ما كان في الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير بها الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم فأمال الله تعالى الأحقاف فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين ثم كشفت الريح عنهم فاحتملتهم فطرحتهم في البحر وروى ان هودا عليه السلام لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين نبع وعن ابن عباس رضى الله عنهما اعتزل هود ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين على الجلود وتلذه الأنفس وإنها لتمر من عاد بالظعن بين بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة «ولقد مكناهم» أي قررنا عادا أو أقدرناهم وما في قوله تعالى «فيما إن مكناكم فيه» موصولة أو موصوفة وإن نافية أي في الذي أو في شئ ما مكناكم فيه من السعة والبسطة وطول الأعمار وسائر مبادى التصرفات كما في قوله تعالى «ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم» ومما يحسن
(٨٦)