تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ١٢١
الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوق ذلك بالطريق الأولوية لتضاعف الفتنة والفساد فيه وقيل المراد بالأخوين الأوس والخزرج وقرئ بين أخوتكم وإخوانكم «واتقوا الله» في كل ما تأتون وما تذرون ومن الأمور التي من جملتها ما أمرتم به من الإصلاح «لعلكم ترحمون» راجين أن ترحموا على تقواكم «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم» أي منكم «من قوم» آخرين أيضا منكم وقوله تعالى «عسى أن يكونوا خيرا منهم» تعليل للنهي أو لموجبه أي عسى أن يكون المسخور منهم خيرا عند الله تعالى من الساخرين والقوم مختص بالرجال لأنهم القوام على النساء وهو في اللأصل إما جمع قائم كصوم وزور في جمع صائم وزائر أو مصدر نعت به فشاع في الجمع وأما تعميمه للفريقين في مثل قوم عاد وقوم فرعون فإما للتغليب أو لأنهن توابع واختيار الجمع لغلبة وقوع السخرية في المجمع والتنكير إما للتعميم أو للقصد إلى نهى بعضهم عن سخرية بعض لما أنها مما يجرى بين بعض وبعض «ولا نساء» أي ولا تسخر نساء من المؤمنات «من نساء» منهن «عسى أن يكن» أي المسخور منهن «خيرا منهن» أي من الساخرات فإن مناط الخيرية في الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالبا بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب فلا يجترئ أحد على استحقار أحد فلعله أجمع منه لما نيط به الخيرية عند الله تعالى فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله تعالى والاستهانة بمن عظمه الله تعالى وقرئ عسوا أن يكونوا وعسين أن يكن فعسى حينئذ هي ذات الخبر كما في قوله تعالى فهل عسيتم وأما على الأول فهي التي لا خبر لها «ولا تلمزوا أنفسكم» أي ولا يعب بعضكم بعضا فإن المؤمنين كنفس واحدة أو لا تفعلوا ما تلمزون به فإن من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه واللمز الطعن باللسان وقرئ بضم الميم «ولا تنابزوا بالألقاب» أي ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء فإن النبز مختص به عرفا «بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان» أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسق بعد دخولهم الإيمان أو اشتهارهم به فإن الاسم ههنا بمعنى الذكر من قولهم طار اسمه في الناس بالكرم أو باللؤم والمراد به إما تهجين نسبة الكفر والفسوق إلى المؤمنين خصوصا إذ روى أن الآية نزلت في صفية بنت حيي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن النساء يقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال عليه الصلاة والسلام هلا قلت إن أبى هارون وعمى موسى وزوجي محمد عليهم السلام أو الدلالة على أن التنابز فسق والجمع بينه وبين الإيمان قبيح «ومن لم يتب» عما نهى عنه «فأولئك هم الظالمون» بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة