فنزلت «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى» من آدم وحواء أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب وقد جوز أن يكون تأكيدا للنهي السابق بتقرير الأخوة المانعة من الاغتياب «وجعلناكم شعوبا وقبائل» الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو بجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطن بجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفصائل فخزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة وقيل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب «لتعارفوا» ليعرف بعضكم بعضا بحسب الأنساب فلا يعتزى أحد إلى غير آبائه لا لتتفاخروا بالآباء والقبائل وتدعوا التفاوت والتفاضل في الأنساب وقرئ لتتعارفوا على الأصل ولتعارفوا بالإدغام ولتعرفوا «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» تعليل للنهي عن التفاخر بالأنساب المستفاد من الكلام بطريق الاستئناف التحقيقى كأنه قيل إن الأكرم عنده تعالى هو الأتقى فإن فاخرتم ففاخروا بالتقوى وقرئ بان المفتوحة على حذف لام التعليل كأنه قيل لم لا تتفاخروا بالأنساب فقيل لأن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أنسبكم فإن مدار كمال النفوس وتفاوت الأشخاص هو التقوى فمن رام نيل الدرجات العلا فعليه بالتقوى قال عليه الصلاة والسلام من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله وقال عليه الصلاة والسلام يا أيها الناس إنما الناس رجلان مؤمن تقى كريم على الله تعالى وفاجر شقى هين على الله تعالى وعن ابن عباس رضى الله عنهما كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى «إن الله عليم» بكم وبأعمالكم «خبير» ببواطن أحوالكم «قالت الأعراب آمنا» نزلت في نفر من بنى أسد قدموا المدينة في سنة جدب فأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون عليه عليه الصلاة والسلام ما فعلوا «قل» ردا لهم «لم تؤمنوا» إذ الإيمان هو التصديق المقارن للثقة وطمأنينة القلب ولم يحصل لكم ذلك وإلا لما مننتم على ما ذكرتم كما ينبئ عنه آخر السورة «ولكن قولوا أسلمنا» فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار الشهادة وترك المحاربة مشعر به وإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا أو لم تؤمنوا ولكن أسلمتم للاحتراز من النهى عن التلفظ بالإيمان وللتفادى عن إخراج قولهم مخرج التسليم والاعتداد به مع كونه تقولا محضا «ولما يدخل الإيمان في قلوبكم» حال من ضمير قولوا أي ولكن قولوا أسلمنا حال عدم مواطأة قلوبكم لألسنتكم وما في لما من معنى التوقع مشعر بأن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد «وإن تطيعوا الله ورسوله»
(١٢٣)