فلان يعطى ويمنع أي يفعل الإعطاء والمنع أو لا تقدموا أمرا من الأمور على أن حذف المفعول للقصد إلى تعميمه والأول أو في بحق المقام لإفادته النهى عن التلبس بنفس الفعل الموجب لانتفائه بالكلية المستلزم لانتفاء تعلقه بمفعوله بالطريق البرهاني وقد جوز أن يكون التقديم بمعنى التقدم ومنه مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة ويعضده قراءة من قرأ لا تقدموا بحذف إحدى التاءين من تتقدموا وقرئ لا تقدموا من القدوم وقوله تعالى «بين يدي الله ورسوله» مستعار مما بين الجهتين المسامتتين ليدى الإنسان تهجينا لما نهوا عنه والمعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به وقيل المراد بين يدي رسول الله وذكر الله تعالى لتعظيمه والإيذان بجلالة محله عنده عز وجل وقيل نزل فيما جرى بين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما لدى النبي صلى الله عليه وسلم في تأمير الأقرع بن حابس أو القعقاع بن معبد «واتقوا الله» في كل ما تأتون وما تذرون من الأقوال والأفعال التي من جملتها ما نحن فيه «إن الله سميع» لأقوالكم «عليم» بأفعالكم فمن حقه أن يتقى ويراقب «يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي» شروع في النهى عن التجاوز في كيفية القول عند النبي عليه الصلاة والسلام بعد النهى عن التجاوز في نفس القول والفعل وإعادة النداء مع قرب العهد به للمبالغة في الإيقاظ والتنبيه والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه أي لا تبلغوا بأصواتكم وراء حد يبلغه عليه الصلاة والسلام بصوته وقرئ لا ترفعوا بأصواتكم على أن الباء زائدة «ولا تجهروا له بالقول» إذا كلمتموه «كجهر بعضكم لبعض» أي جهرا كائنا كالجهر الجاري فيما بينكم بل اجعلوا صوتكم أخفض من صوته عليه الصلاة والسلام وتعهدوا في مخاطبته اللين القريب من الهمس كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظم وحافظوا على مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها وقيل معنى لا لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض لا تقولوا له يا محمد يا أحمد وخاطبوه بالنبوة قال ابن عباس رضى الله عنهما لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر يا رسول الله والله لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى الله تعالى وعن عمر رضى الله عنه أنه كان يكلمه عليه الصلاة والسلام كأخى السرار لا يسمعه حتى يستفهمه وكان أبو بكر رضى الله عنه إذا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفود أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى «أن تحبط أعمالكم» إما علة للنهي أي لا تجهروا خشية أن تحبط أو كراهة أن تحبط كما في قوله تعالى يبين الله لكم أن تضلوا أو للمنهى أي لا تجهروا لأجل الحبوط فإن الجهر حيث كان بصدد الأداء إلى الحبوط فكأنه فعل لأجله على طريقة التمثيل كقوله تعالى ليكون لهم عدوا أو حزنا وليس المراد بما نهى عنه من الرفع والجهر ما يقارنه الاستخفاف والاستهانة فإن ذلك كفر بل ما يتوهم أن يؤدي إلى مما يجرى بينهم في أثناء المحاوره من الرفع والجهر حسبما يعرب عنه قوله تعالى كجهر بعضكم
(١١٦)