تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ١٢٢
النفس للعذاب «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن» أي كونوا على جانب منه وإبهام الكثير لإيجاب الاحتياط والتأمل في كل ظن ظن حتى يعلم أنه من أي قبيل فإن من الظن ما يجب اتباعه كالظن فيما لا قاطع فيه من العمليات وحسن الظن بالله تعالى ومنه ما يحرم كالظن في الإلهيات والنبوات وحيث يخالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين ومنه ما يباح كالظن في الأمور المعاشية «إن بعض الظن إثم» تعليل للأمر بالاجتناب أو لموجبه بطريق الاستئناف التحقيقى والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه وهمزته منقلبة من الواو كأنه يثم الأعمال أي يكسرها «ولا تجسسوا» أي ولا تبحثوا عن عورات المسلمين تفعل من الجس لما فيه من معنى الطلب كما أن التلمس بمعنى التطلب لما في اللمس من الطلب وقد جاء بمعنى الطلب في قوله تعالى وأنا لمسنا السماء وقرئ بالحاء من الحس الذي هو إثر الجس وغايته ولتقاربهما يقال للمشاعر الحواس بالحاء والجيم وفى الحديث لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته «ولا يغتب بعضكم بعضا» أي لا يذكر بعضكم بعضا بالسوء في غيبته وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال أن تذكر أخاك بما يكره فإن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته وعن ابن عباس رضى الله عنهما الغيبة إدام كلاب الناس «أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا» تمثيل وتصوير لما يصدر عن المغتاب من حيث صدوره عنه ومن حيث تعلقه بصاحبه على أفحش وجه وأشنعه طبعا وعقلا وشرعا مع مبالغات من فنون شتى الاستفهام التقريرى وإسناد الفعل إلى أحد إيذانا بأن أحدا من الأحدين لا يفعل ذلك وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان وجعل المأكول أخا للآكل وميتا وإخراج تماثلها مخرج أمر بين غنى عن الإخبار به وقرئ ميتا بالتشديد وانتصابه على الحالية من اللحم وقيل من الأخ والفاء في قوله تعالى «فكرهتموه» لترتيب ما بعدها على ما قبلها من التمثيل كأنه قيل وحيث كان الأمر كما ذكر فقد كرهتموه وقرى كرهتموه أي جبلتم على كراهته «واتقوا الله» بترك ما أمرتم باجتنابه والندم على ما صدر عنكم من قبل «إن الله تواب رحيم» مبالغ في قبول التوبة وإفاضة الرحمة حيث يجعل التائب كمن لم يذنب ولا يخص ذلك بتائب دون تائب بل يعم الجميع وإن كثرت ذنوبهم روى أن رجلين من الصحابة رضى الله عنهم بعثا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغى لهما إداما وكان أسامة على طعامه عليه الصلاة والسلام فقال ما عندي شئ فأخبرهما سلمان فقالا لو بعثنا سليمان إلى بئر سميحة لغار ماؤها فلما راحا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما فقالا ما تناولنا لحما فقال عليه الصلاة والسلام إنكما قد اغتبتما
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة