تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ١٠٧
حول المدينة من الإعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه عند إرادته المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا حذرا من قريش أن يتعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت وأحرم عليه الصلاة والسلام وساق معه الهدى ليعلم أنه لا يريد الحرب وتثاقلوا عن الخروج وقالوا نذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم فأوحى الله تعالى اليه عليه الصلاة والسلام بأنهم سيعتلون ويقولون «شغلتنا أموالنا وأهلونا» ولم يكن لنا من يخلفنا فيهم ويقوم بمصالحهم ويحميهم من الضياع وقرئ شغلتنا بالتشديد للتكثير «فاستغفر لنا» الله تعالى ليغفر لنا تخلفنا عنك حيث لم يكن ذلك باختيار بل عن اضطرار «يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم» بدل من سيقول أو استئناف لتكذيبهم في الاعتذار والاستغفار «قل» ردا لهم عند اعتذارهم إليك بأباطيلهم «فمن يملك لكم من الله شيئا» أي فمن يقدر لأجلكم من مشيئته الله تعالى وقضائه على شئ من النفع «إن أراد بكم ضرا» أي ما يضركم من هلاك الأهل والمال وضياعهما حتى تتخلفوا عن الخروج لحفظهما ودفع الضرر عنهما وقرئ ضرا بالضم «أو أراد بكم نفعا» أي ومن يقدر على شيء من الضرر إن أراد بكم ما ينفعكم من حفظ أموالكم وأهليكم فأي حاجة إلى التخلف لأجل القيام بحفظهما وهذا تحقيق للحق ورد لهم بموجب ظاهر مقالتهم الكاذبة وتعميم الضر والنفع لما يتوقع على تقدير الخروج من القتل والهزيمة والظفر والغنيمة يرده قوله تعلى «بل كان الله بما تعملون خبيرا» فإنه إضراب عما قالوا وبيان لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدقه أي ليس الأمر كما تقولون بل كان الله خبيرا بجميع ما تعملون من الأعمال التي من جملتها تخلفكم وما هو من مباديه وقوله تعالى «بل ظننتم» الخ بدل من كان الخ مفسر لما فيه من الإبهام أي بل ظننتم «أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا» بأن يستأصلهم المشركون بالمرة فخشيتم إن كنتم معهم أن يصيبكم ما أصابهم فلأجل ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة والأهلون جمع أهل وقد يجمع على أهلات كأرضات على تقديره تاء التأنيث وأما الأهالي فاسم جمع كالليالى وقرئ إلى أهلهم «وزين ذلك في قلوبكم» وقبلتموه واشتغلتم بشأن أنفسكم غير مبالين بهم وقرئ زين على البناء للفاعل بإسناده إلى الله سبحانه أو إلى الشيطان «وظننتم ظن السوء» المراد به إما الظن الأول والتكرير لتشديد التوبيخ والتسجيل عليه بالسوء أو ما يعمه وغيره من الظنون الفاسدة التي من جملتها الظن بعدم صحة رسالته عليه الصلاة والسلام فإن الجازم بصحتها لا يحوم حول فكره ما ذكر من الاستئصال «وكنتم قوما بورا» أي هالكين عند الله مستوجبين لسخطه وعقابه على أنه جمع بائر كعائذ وعوذ أو فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم وقيل البور من بار كالهلك من ملك بناء ومعنى لذلك وصف به الواحد والجمع المذكر والمؤنث
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة