بالأيمان الفاجرة «لو يجدون ملجأ» استئناف مقرر لمضمون ما سبق من أنهم ليسوا من المسلمين وأن التجاءهم إلى الانتماء إليهم إنما هو للتقية اضطرارا حتى أنهم لو وجدوا غير ذلك ملجأ أي مكانا حصينا يلجأون إليه من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة وإيثار صيغة الاستقبال في الشرط وإن كان المعنى على المضي لإفادة استمرار عدم الوجدان فإن المضارع المنفي الواقع موقع الماضي ليس نصا في إفادة انتفاء استمرار الفعل كما هو الظاهر بل قد يفيد استمرار انتفائه أيضا حسبما يقتضيه المقام فإن معنى قولك لو تحسن إلي لشكرتك أن انتفاء الشكر بسبب استمرار انتفاء الإحسان لا أنه بسبب انتفاء استمرار الإحسان فإن الشكر يتوقف على وجود الإحسان لا على استمراره كما حقق في موضعه «أو مغارات» أي غير انا وكهوفا يخفون فيها أنفسهم وقرئ بضم الميم من أغار الرجل إذا دخل الغور وقيل هو معتد من غار إذا دخل الغور أي أمكنة يغيرون فيها أشخاصهم وأهليهم ويجوز أن يكون من أغار الثعلب إذا أسرع بمعنى مهارب ومفار «أو مدخلا» أي نفقا يندسون وينجحرون وهو مفتعل من الدخول وقرئ مدخلا من الدخول ومدخلا من الإدخال أي مكانا يدخلون فيه أنفسهم وقرئ متدخلا ومندخلا من التدخل والإندخال «لولوا» أي لصرفوا وجوههم وأقبلوا وقرئ لوالوا أي لالتجأوا «إليه» أي إلى أحد ما ذكر «وهم يجمحون» أي يسرعون بحيث لا يردهم شيء من الفرس الجموح وهو الذي لا يثنيه اللجام وفيه إشعار بكمال عتوهم وطغيانهم وقرئ يجمزون بمعنى يجمحون ويشتدون ومنه الجمازة «ومنهم من يلمزك» بكسر الميم وقرئ بضمها أي يعيبك سرا وقرئ يلمزك ويلامزك مبالغة «في الصدقات» أي في شأنها وقسمتها «فإن أعطوا منها» بيان لفساد لمزهم وأنه لا منشأ له سوى حرصهم على حطام الدنيا أي إن أعطوا منها قدر ما يريدون «رضوا» بما وقع من القسمة واستحسنوها «وإن لم يعطوا منها» ذلك المقدار «إذا هم يسخطون» أي يفاجئون السخط وإذا نائب مناب فاء الجزاء قيل نزلت الآية في أبي الجواظ المنافق حيث قال ألا ترون إلى صاحبكم يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم ويزعم أنه يعدل وقيل في ابن ذي الخويصرة واسمه حرقوص ابن زهير التميمي رأس الخوارج كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين فاستعطف قلوب أهل مكة بتوفير الغنائم عليهم فقال اعدل يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم ويلك إن لم أعدل فمن يعدل وقيل هم المؤلفة قلوبهم والأول هو الأظهر «ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله» أي ما أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقات طيبي النفوس به وإن قل وذكر الله عز وجل للتعظيم والتنبيه على أن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم كان بأمره سبحانه
(٧٥)