«وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة» أي ما يتزين به من اللباس والمراكب ونحوها «وأموالا» وأنواعا كثيرة من المال «في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك» دعاء عليهم بلفظ الأمر بما علم بممارسة أحوالهم أنه لا يكون غيره كقولك لعن الله إبليس وقيل اللام للعاقبة وهى متعلقة بآتيت أو للعلة لأن إيتاء النعم على الكفر استدراج وتثبيت على الضلال ولأنهم لما جعلوها ذريعة إلى الضلال فكأنهم أوتوها ليضلوا فيكون ربنا تكرير للأول تأكيدا أو تنبيها على أن المقصود عرض ضلالهم وكفرانهم تقدمة لقوله تعالى «ربنا اطمس على أموالهم» الطمس المحو وقرئ بضم الميم أي أهلكها «واشدد على قلوبهم» أي اجعلها قاسية واطبع عليها حتى لا تنشرح للإيمان كما هو قضية شأنهم «فلا يؤمنوا» جواب للدعاء أو دعاء بلفظ النهى أو عطف على ليضلوا وما بينهما دعاء معترض «حتى يروا العذاب الأليم» أي يعاينوه ويوقنوا به بحيث لا ينفعهم ذلك إذ ذاك «قال قد أجيبت دعوتكما» يعنى موسى وهارون عليهما السلام لأنه كان يؤمن كما يشعر به إضافة الرب إلى ضمير المتكلم مع الغير في المواقع الثلاثة «فاستقيما» فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوى وإلزام الحجة ولا تستعجلا فإن ما طلبتما كائن في وقته لا محالة روى أنه مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة «ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون» أي بعادات الله سبحانه في تعليق الأمور بالحكم والمصالح أو سبيل الجهلة في الاستعجال أو عدم الوثوق بوعد الله تعالى وقرئ بالنون الخفيفة وكسرها لالتقاء الساكنين ولا تتبعان من تبع ولا تتبعان أيضا «وجاوزنا ببني إسرائيل البحر» هو من جاوز المكان إذا تخطاه وخلفه والباء للتعدية أي جعلناهم مجاوزين البحر بأن جعلناه يبسا وحفظناهم حتى بلغوا الشط وقرئ جوزنا وهو من التجويز المرادف للمجاوزة لا مما هو بمعنى التنفيذ نحو ما وقع في قول الأعشى * كما جوز السكى في الباب فيتق * وإلا لقيل وجوزنا نبي إسرائيل في البحر ولخلا النظم الكريم عن الإيذان بانفصالهم عن البحر وبمقارنة العناية الإلهية لهم عند الجواز كما هو المشهور في الفرق بين أذهبه وذهب به «فأتبعهم» يقال تبعته حتى اتبعته إذا كان سبقك فلحقته أي أدركهم ولحقهم 8 فرعون وجنوده 8 حتى تراءت الفئتان وكاد يجتمع الجمعان 8 بغيا وعدوا 8 ظلما واعتداء
(١٧٢)