تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ١٧٣
أي باغين وعادين أو للبغى والعدوان وقرئ وعدوا وذلك أن موسى عليه السلام خرج ببني إسرائيل على حين غفلة من فرعون فلما سمع به تبعهم حتى لحقهم ووصل إلى الساحل وهم قد خرجوا من البحر ومسلكهم باق على حاله يبسا فسلكه بجنوده أجمعين فلما دخل آخرهم وهم أولهم بالخروج غشيهم من اليم ما غشيهم «حتى إذا أدركه الغرق» أي لحقه وألجمه «قال آمنت أنه» أي بأنه والضمير للشأن وقرئ إنه على الاستئناف بدلا من آمنت وتفسير له «لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل» لم يقل كما قاله السحرة آمنا برب العالمين رب موسى وهارون بل عبر عنه تعالى بالموصول وجعل صلته إيمان بنى إسرائيل به تعالى للإشعار برجوعه عن الاستعصاء وباتباعه لمن كان يستتبعهم طمعا في القبول والانتظام معهم في سلك النجاة «وأنا من المسلمين» أي الذين أسلموا نفوسهم لله أي جعلوها سالمة خاصة له تعالى وأراد بهم إما بنى إسرائيل خاصة وإما الجنس وهم داخلون فيه دخولا أولياء والجملة على الأول عطف على آمنت وإيثار الاسمية لا دعاء الدوام والاستمرار وعلى الثاني يحتمل الحالية أيضا من ضمير المتكلم أي آمنت مخلصا لله منتظما في سلك الراسخين فيه ولقد كرر المعنى الواحد بثلاث عبارات حرصا على القبول المفضى إلى النجاة وهيهات هيهات بعد ما فات ما فات وأتى ما هو آت وقوله عز وجل 8 «الآن» مقول لقول مقدر معطوف على قال أي فقيل آلآن وهو إلى قوله تعالى آية حكاية لما جرى منه سبحانه من الغضب على المخذول ومقابلة ما أظهره بالرد على وجه الإنكار التوبيخى على تأخيره وتقريعه بالعصيان والإفساد وغير ذلك وفي حذف الفعل المذكور وإبراز الخبر المحكى في صورة الإنشاء من الدلالة على عظم السخط وشدة الغضب مالا يخفى كما يفصح عنه ما روى من أن جبريل دس فاه عند ذلك يحال البحر وسده به فإنه تأكيد الرد القولي بالرد الفعلي ولا ينافيه تعليله بمخافة إدراك الرحمة فيما نقل أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم فلو رأيتني يا محمد وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة إذ المراد بها الرحمة الدنيوية أي النجاة التي هي طلبة المخذول وليس من ضرورة إدراكها صحة الإيمان كما في إيمان قوم يونس عليه السلام حتى يلزم من كراهته مالا يتصور في شأن جبريل عليه السلام من الرضا بالكفر إذ لا استحالة في ترتب هذه الرحمة على مجرد التفوه بكلمة الإيمان وإن كان ذلك في حالة البأس واليأس فيحمل دسه صلى الله عليه وسلم على سد باب الاحتمال البعيد لكمال الغيظ وشدة الحرد فتدبر والله الموفق وحق العامل في الظرف أن يقدر مؤخرا ليتوجه الإنكار والتوبيخ إلى تأخير الإيمان إلى حد يمتنع قبوله فيه أي آلآن تؤمن حين يئست من الحياة وأيقنت بالممات وقوله عز وعلا «وقد عصيت قبل» حال من فاعل الفعل المقدر جئ به لتشديد التوبيخ والتقريع على تأخير الإيمان إلى هذا الآن ببيان أنه لم يكن تأخيره لعدم بلوغ الدعوة إليه ولا للتأمل والتدبر في دلائله وآياته ولا لشئ آخر مما عسى يعد عذرا في التأخير بل كان ذلك على طريقة الرد والاستعصاء والإفساد فإن قوله تعالى «وكنت من المفسدين» عطف على عصيت داخل في حيز الحال أي وكنت من الغالين في الضلال والإضلال عن الإيمان كقوله تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308