وقعت مبتدأ والسحر خبره أي هو السحر لا ما سماه فرعون وقومه من آيات الله سبحانه أو هو من جنس السحر يريهم أن حاله بين لا يعبأ به كأنه قال ما جئتم به مما لا ينبغي أن يجاء به وقرئ آلسحر على الاستفهام فما استفهامية أي أي شيء جئتم به أهو السحر الذي يعرف حاله كل أحد ولا يتصدى له عاقل وقرئ ما جئتم به سحر وقرئ ما أتيتم به سحر ودلالتهما على المعنى الثاني في القراءة المشهورة أظهر «إن الله سيبطله» أي سيمحقه بالكلية بما يظهره على يدي من المعجزة فلا يبقى له أثر أصلا أو سيظهر بطلانه للناس والسين للتأكيد «إن الله لا يصلح عمل المفسدين» أي عمل جنس المفسدين على الإطلاق فيدخل فيه السحر دخولا أوليا أو عملكم فيكون من باب وضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالإفساد والإشعار بعلة الحكم وليس المراد بعدم إصلاح عملهم عدم جعل فسادهم صلاحا بل عدم إثابته وإتمامه أي لا يثبته ولا يكلمه ولا يديمه بل يمحقه ويهلكه ويسلط عليه الدمار والجملة تعليل لما سبق من قوله إن الله سيبطله والكل اعتراض تذييلى وفيه دليل على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له «ويحق الله الحق» عطف على قوله سيبطله أي يثبته ويقويه وإظهار الاسم الجليل في المقامين الأخيرين لإلقاء الروعة وتربية المهابة «بكلماته» بأوامره وقضاياه وقرئ بكلمته «ولو كره المجرمون» ذلك والمراد بهم كل من اتصف بالإجرام من السحرة وغيرهم «فما آمن لموسى» معطوف على مقدر قد فصل في مواقع أخر أي فألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون الخ وإنما لم يذكر تعويلا على ذلك وإيثار للإيجاز وإيذانا بأن قوله تعالى إن الله سيبطله مما لا يحتمل الخلف أصلا وعطفه على ذلك بالفاء مع كونه عدما مستمرا من قبيل ما في قوله عز وجل فاتبعوا أمر فرعون وما في قولك وعظته فلم يتعظ وصحت به فلم ينزجر والسر في ذلك أن الإتيان بالشئ بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرار عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث أي فما آمن له عليه السلام بمشاهدة تلك الآيات القاهرة «إلا ذرية من قومه» أي إلا أولاد من أولاد قومه بنى إسرائيل حيث دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون وأجابته طائفة من شبانهم وقيل الضمير لفرعون والذرية طائفة من شبابهم أمنوا به عليه السلام أو مؤمن آل فرعون وامرأته آسية وخازنه وامرأته وماشطته وهو بعيد «على خوف» أي كائنين على خوف عظيم «من فرعون وملئهم» الضمير لفرعون والجمع لما هو المعتاد في ضمائر العظماء ولا يأباه مقام بيان علوه في الفساد وغلوه في الشر والتسلط على العباد أو لأن المراد به آله كما يقال ربيعة ومضر أو للذرية أو للقوم أي على خوف من فرعون ومن اشراف بنى إسرائيل حيث كانوا يمنعون أعقابهم خوفا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم «أن يفتنهم»
(١٧٠)