فكشف عنهم وعن الفضيل بن عياض قالوا إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم منها وأجل افعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض» تحقيق لدوران إيمان كافة المكلفين وجودا وعدما على قطب مشيئته تعالى مطلقا إثر بيان تبعية كفر الكفرة لكلمته ومفعول المشيئة محذوف لوجود ما يقتضيه من وقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء وأن لا يكون في تعلقها به غرابة كما هو المشهور أي لو شاء سبحانه إيمان من في الأرض من الثقلين لآمن «كلهم» بحيث لا يشد عنهم أحد «جميعا» مجتمعين على الإيمان لا يختلفون فيه لكنه لا يشاؤه لكونه مخالفا للحكمة التي عليها بنى أساس التكوين والتشريع وفيه دلالة على أن من شاء الله تعالى إيمانه يؤمن لا محالة «أفأنت تكره الناس» على ما لم يشأ الله منهم حسبما ينيء عنه حرف الامتناع في الشرطية والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام كأنه قيل أربك لا يشاء ذلك فأنت تكرههم «حتى يكونوا مؤمنين» فيكون الإنكار متوجها إلى ترتيب الإكراه المذكور على عدم مشيئته تعالى ويجوز أن تكون الفاء لترتيب الإنكار على عدم مشيئته تعالى بناء على أن الهمزة متأخرة في الاعتبار وإنما قدمت لاقتضائها الصدارة كما هو رأى الجمهور وأيا ما كان فالمشيئة على إطلاقها إذ لا فائدة بل لا وجه لاعتبار عدم مشيئة الإلجاء خاصة في إنكار الترتيب عليه أو ترتيب الإنكار عليه وفي إيلاء الاسم حرف الاستفهام إيذان بأن الإكراه أمر ممكن لكن الشأن في المكره من هو وما هو إلا هو وحده لا يشارك فيه لأنه القادر على أن يفعل في قلوبهم ما يضطرهم إلى الإيمان وذلك غير مستطاع للبشر وفيه إيذان باعتبار الإلجاء في المشيئة كما أشير إليه «وما كان لنفس» بيان لتبعية إيمان النفوس المؤمنة لمشيئته تعالى وجودا بعد بيان الدوران الكلى عليها وجودا وعدما أي ما صح وما استقام لنفس من النفوس التي علم الله تعالى أنها تؤمن «أن تؤمن إلا بإذن الله» أي بتسهيله ومنحه للألطاف وإنما خصت النفس بمن ذكر ولم يجعل من قبيل قوله تعالى وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله لأن الاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي ما كان لنفس أن تؤمن في حال من أحوالها إلا حال كونها ملابسة بإذنه تعالى فلا بد من كون الإيمان مما يؤول إليه حالها كما أن الموت مآل لكل نفس بحيث لا محيص لها عنه فلا بد من تخصيص النفس بمن ذكر فإن النفوس التي علم الله أنها لا تؤمن ليس لها حال تؤمن فيها حتى يستثنى تلك الحال من غيرها «ويجعل الرجس» أي الكفر بقرينة ما قبله عبر عنه بالرجس الذي هو عبارة عن القبيح المستقذر المستكره لكونه علما في القبح والاستكراه وقيل هو العذاب أو الخذلان المؤدى إليه وقرى بنون العظمة وقرئ بالزاي أي يجعل الكفر ويبقيه «على الذين لا يعقلون» لا يستعملون عقولهم بالنظر في الحجج والآيات أولا يعقلون دلائله وأحكامه لما على قلوبهم من الطبع
(١٧٧)