في نواحيهما حسبما نطق به قوله تعالى «وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها» «ورزقناهم من الطيبات» أي اللذائذ «فما اختلفوا» في أمر دينهم «حتى جاءهم العلم» أي إلا بعد ما جاءهم العلم بقراءتهم التوراة وعلمهم بأحكامها أو في أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما علموا صدق نبوته وتظاهر معجزاته فالمراد بالمختلفين أعقابهم الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم «إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون» فيميز بين المحق والمبطل بالإثابة والتعذيب «فإن كنت في شك» أي في شك ما يسير على الفرض والتقدير فإن مضمون الشرطية إنما هو تعليق شيء بشيء من غير تعرض لإمكان شيء منهما كيف لا وقد يكون كلاهما ممتنعا كقوله عز وجل قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين وقوله تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك ونظائرهما «مما أنزلنا إليك» من القصص التي من جملتها قصة فرعون وقومه وأخبار بنى إسرائيل «فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك» فإن ذلك محقق عندهم ثابت في كتبهم حسبما ألقينا إليك والمراد إظهار نبوته صلى الله عليه وسلم بشهادة الأحبار حسبما هو المسطور في كتبهم وإن لم يكن إليه حاجة أصلا أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة نبوته صلى الله عليه وسلم أو تهييجه صلى الله عليه وسلم وزيادة تثبيته على ما هو عليه من اليقين لا تجويز صدور الشك منه صلى الله عليه وسلم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا أشك ولا اسأل وقيل المراد بالموصول مؤمنوا أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وتميم الداري وكعب وأضرابهم وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته أو لكل من يسمع أي إن كنت إيها السامع في شك مما أنزلنا إليك على لسان نبينا وفيه تنبيه على أن من خالجته شبهة في الدين ينبغي ان يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم وقرئ فاسأل الذين يقرءون الكتب «لقد جاءك الحق» الذي لا محيد عنه ولا ريب في حقيته «من ربك» وظهر ذلك بالآيات القاطعة التي لا يحوم حولها شائبة الارتياب وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من التشريف ما لا يخفى «فلا تكونن من الممترين» بالتزلزل عما أنت عليه من الجزم واليقين ودم على ذلك كما كنت من قبل «ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله» من باب التهييج والإلهاب والمراد به إعلام أن التكذيب من القبح والمحذورية بحيث ينبغي أن ينهى عنه من لا يتصور إمكان صدوره عنه فكيف بمن يمكن اتصافه به وفيه قطع لأطماع الكفرة «فتكون» بذلك «من الخاسرين» أنفسا وأعمالا 8 إن الذين حقت عليهم 8 شروع في بيان سر إصرار الكفرة على ما هم عليه من الكفر والضلال أي ثبتت ووجبت بمقتضى المشيئة المبنية على الحكمة البالغة «كلمة ربك» حكمة وقضاؤه
(١٧٥)