عن المقاصد بالذات إلى وسائلها مما لا يساعده جلالة شأن التنزيل الكريم «لا تبديل لكلمات الله» لا تغيير لأقواله التي من جملتها مواعيده الواردة بشارة للمؤمنين المتقين فيدخل فيها البشارات الواردة ههنا دخولا أوليا ويثبت امتناع الإخلاف فيها ثبوتا قطعيا وعلى تقدير كون المراد بالبشرى الرؤيا الصالحة فالمراد بعدم تبديل كلماته تعالى ليس عدم الخلف بينها وبين نتائجها الدنيوية والأخروية بل عدم الخلف بينها وبين ما دل على ثبوتها ووقوعها فيما سيأتي بطريق الوعد من قوله تعالى لهم البشرى فتدبر ذلك إشارة إلى ما ذكر من أن لهم البشرى في الدارين «هو الفوز العظيم» الذي لا فوز وراءه وفيه تفسير لما أبهم فيما سبق وهاتيك الجملة والتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشر به وتعظيم شأنه وليس من شرطه أن يكون بعده كلام متصل بما قبله أو هذه تذييل والسابقة اعتراض «ولا يحزنك قولهم» تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يلقاه من جهتهم من الأذية الناشئة عن مقالاتهم الموحشة وتبشير له صلى الله عليه وسلم بأنه عز وجل ينصره ويعزه عليهم إثر بيان أن له ولأتباعه أمنا من كل محذور وفوزا بكل مطلوب وقرئ ولا يحزنك من أحزنه وهو في الحقيقة نهى له صلى الله عليه وسلم عن الحزن كأنه قيل لا تحزن بقولهم ولا تبال بتكذيبهم وتشاورهم في تدبير هلاكك وإبطال أمرك وسائر ما يتفوهون به في شأنك مما لا خير فيه وإنما وجه النهى إلى قولهم للمبالغة في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الحزن لما أن النهي عن التأثر نهي عن التأثر بأصله ونفى له بالمرة وقد يوجه النهى إلى اللازم والمراد هو النهى عن الملزوم كما في قولك لا أرينك ههنا وتخصيص النهى عن الحزن بالإيراد مع شمول النفي السابق للحزن أيضا لما أنه لم يكن فيه صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات نوع حزن فسلى عن ذلك وقوله تعالى شائبة خوف حتى ينهى عنه وربما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم «إن العزة» تعليل للنهي على طريقة الاستئناف أي الغلبة والقهر «لله جميعا» أي في ملكته وسلطانه لا يملك أحد شيئا منها أصلا لا هم ولا غيرهم فهو يقهرهم ويعصمك منهم وينصرك عليهم وقد كان كذلك فهي من جملة المبشرات العاجلة وقرئ بفتح أن على صريح التعليل أي لأن العزة لله «هو السميع العليم» يسمع ما يقولون في حقك ويعلم ما يعزمون عليه وهو مكافئهم بذلك «ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض» أي العقلاء من الملائكة والثقلين وتخصيصهم بالذكر للإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بغيرهم فإنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم إذا كانوا عبيدا له سبحانه مقهورين تحت قهره وملكته فما عداهم من الموجودات أولى بذلك وهو مع ما فيه من التأكيد لما سبق من اختصاص العزة بالله تعالى الموجب لسلوته صلى الله عليه وسلم وعدم مبالاته بالمشركين وبمقالاتهم تمهيد لما لحق من قوله تعالى «وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء» وبرهان على بطلان
(١٦١)