آياته ثم فصلت على صيغة التكلم وعن عكرمة والضحاك ثم فصلت أي فرقت بين الحق والباطل «من لدن حكيم خبير» صفة للكتاب وصف بها بعد ما وصف بإحكام آياته وتفصيلها الدالين على علو رتبته من حيث الذات إبانة لجلالة شأنه من حيث الإضافة أو خبر بعد خبر للمبتدأ المذكور أو المحذوف أو صلة للفعلين وفي بنائهما للمفعول ثم إيراد الفاعل بعنوان الحكمة البالغة والإحاطة بجلائلها ودقائقها منكرا بالتنكير التفخيمي وربطهما به لا على النهج المعهود في إسناد الأفاعيل إلى قواعدها مع رعاية حسن الطباق من الجزالة والدلالة على فخامتهما وكونهما على أكمل ما يكون مالا يكتنه كنهه «ألا تعبدوا إلا الله» مفعول له حذف عنه اللام مع فقدان الشرط أعنى كونه فعلا لفاعل الفعل المعلل جريا على سنن القياس المطرد في حذف حرف الجر مع أن المصدرية كأنه قيل كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله أي لتتركوا عبادة غير الله عز وجل وتتمحضوا في عبادته فإن الإحكام والتفصيل على ما فصل من المعاني مما يدعوهم إلى الإيمان والتوحيد وما يتفرع عليه من الطاعات قاطبة وقيل أن مفسرة لما في التفصيل من معنى القول أي قيل لا تعبدوا إلا الله «إنني لكم منه» من جهة الله تعالى «نذير» أنذركم عذابه إن لم تتركوا ما أنتم عليه من الكفر وعبادة غير الله تعالى «وبشير» أبشركم بثوابه إن آمنتم به وتمحضتم في عبادته ولما ذكر شؤون الكتاب من إحكام آياته وتفصيلها وكون ذلك من قبل الله تعالى وأورد معظم ما نظم في سلك الغاية والأمر من التوحيد وترك الإشراك وسط بينه وبين قرينيه أعني الاستغفار والتوبة ذكر أن من نزل عليه ذلك الكتاب مرسل من عند الله تعالى لتبليغ أحكامه وترشيحها بالمؤيدات من الوعد والوعيد للإيذان بأن التوحيد في أقصى مراتب الأهمية حتى أفرد بالذكر وأيد إيجابه بالخطاب غب الكتاب مع تلويح بأنه كما لا يتحقق في نفسه إلا مقارنا للحكم برسالته صلى الله عليه وسلم كذلك في الذكر لا ينفك أحدهما عن الآخر وقد روعى في سوق الخطاب بتقديم الإنذار على التبشير ما روعى في الكتاب من تقديم النفي على الإثبات والتخلية على التحلية ليتجاوب أطراف الكلام ويجوز أن يكون قوله تعالى ألا تعبدوا إلا الله كلاما منقطعا عما قبله وارادا على لسانه صلى الله عليه وسلم إغراء لهم على اختصاصه تعالى بالعبادة كأنه صلى الله عليه وسلم قال ترك عبادة غير الله أي الزموه على معنى اتركوا عبادة غير الله تركا مستمرا إنني لكم من جهة الله تعالى نذير وبشير أي نذير أنذركم من عقابه على تقدير استمراركم على الكفر وبشير أبشركم بثوابه على تقدير ترككم له وتوحيدكم ولما سبق إليهم حديث التوحيد وأكد ذلك بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه الإنذار والتبشير شرع في ذكر ما هو من تتماته على وجه يتضمن تفصيل ما أجمل في وصف البشير والنذير فقيل «وأن استغفروا ربكم» وهو معطوف على أن لا تعبدوا على ما ذكر من الوجهين فعلى الأول أن
(١٨٣)