الأولى لاستدعاء الثاني لاقتصار دعائهم على ذلك فقط وفى قوله لنكونن من الشاكرين من المبالغة في الدلالة على كونهم ثابتين في الشكر مثابرين عليه منتظمين في سلك المنعوتين بالشكر الراسخين فيه ما ليس في أن يقال لنشكرن «فلما أنجاهم» مما غشيهم من الكربة والفاء للدلالة على سرعة الإجابة «إذا هم يبغون في الأرض» أي فاجئوا الفساد فيها وسارعوا إليه متراقين في ذلك متجاوزين عما كانوا عليه من حدود العيث من قولهم بغى الجرح إذا ترامى في الفساد وزيادة في الأرض للدلالة على شمول بغيهم لأقطارها وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار وقوله تعالى «بغير الحق» تأكيد لما يفيده البغى أو معناه أنه بغير الحق عندهم أيضا بأن يكون ذلك ظلما ظاهرا لا يخفى قبحه على أحد كما في قوله تعالى ويقتلون النبيين بغير الحق وأما ما قيل من أنه للاحتراز عن البغى بحق كتخريب الغزاة ديار الكفرة وقطع أشجارهم وإحراق زرعهم فلا يساعده النظم الكريم لابتنائه على كون البغى بمعنى إفساد صورة الشيء وإبطال منفعته دون ما ذكر من المعنى اللائق بحال المفسدين «يا أيها الناس» توجيه للخطاب إلى أولئك الباغين للتشديد في التهديد والمبالغة في الوعيد «إنما بغيكم» الذي تتعاطونه وهو مبتدأ وقوله تعالى «على أنفسكم» خبره أي عليكم في الحقيقة لا على الذين تبغون عليهم وإن ظن كذلك وقوله تعالى «متاع الحياة الدنيا» بيان لكون ما فيه من المنفعة العاجلة شيئا غير معتد به سريع الزوال دائم الوبال وهو نصب على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر بطريق الاستئناف أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا وقيل على أنه مصدر وقع موقع الحال أي متمتعين بالحياة الدنيا والعامل هو الاستقرار الذي في الخبر لا نفس البغى لأنه يؤدى إلى الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر ولا يخبر عن الموصول إلا بعد تمام صلته وأنت خبير بأنه ليس في تقييد كون بغيهم على أنفسهم بحال تمتعهم بالحياة الدنيا معنى يعتد به وقيل على أنه ظرف زمان نحو مقدم الحاج أي زمن متاع الحياة الدنيا وفيه ما مر بعينه وقيل على أنه مفعول لفعل دل عليه المصدر أي تبغون متاع الحياة الدنيا ولا يخفى أنه لا يدل على البغى بمعنى الطلب وجعل المصدر أيضا بمعناه مما يخل بجزالة النظم الكريم لأن الاستئناف لبيان سوء عاقبة ما حكى عنهم من البغى المفسر بالإفساد المفرط اللائق بحالهم فأي مناسبة بينه وبين البغى بمعنى الطلب وجعل الأول أيضا بمعناه مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عنه وقيل على أنه مفعول له أي لأجل متاع الحياة الدنيا والعامل ما ذكر من الاستقرار وفيه أن المعلل بما ذكر نفس البغى لا كونه على أنفسهم وقيل أنفسهم وقيل العامل فيه فعل مدلول عليه بالمصدر أي تبغون لأجل متاع الحياة الدنيا على أن الجملة مستأنفة وقيل على أنه مفعول صريح للمصدر وعلى أنفسكم ظرف لغو متعلق به والمراد بالأنفس الجنس والخبر محذوف لطول الكلام والتقدير إنما بغيكم على أبناء جنسكم متاع الحياة الدنيا محذورا أو ظاهر الفساد أو نحو ذلك وفيه ما مر من ابتنائه على ما لا يليق بالمقام
(١٣٥)