الشمالي أيامها الصيفية أطول ولياليها الصيفية أقصر من أيام البلاد البعيدة منه ولياليها وأما في أنفسهما فإن كرية الأرض تقتضى أن يكون بعض الأوقات في بعض الأماكن ليلا وفى مقابله نهارا «وما خلق الله في السماوات والأرض» من أصناف المصنوعات «لآيات» عظيمة أو كثيرة دالة على وجود الصانع تعالى ووحدته وكمال علمه وقدرته وبالغ حكمته التي من جملة مقتضياتها ما أنكروه من إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم وإنزال الكتب والبعث والجزاء «لقوم يتقون» خصهم بذلك لأن الداعي إلى النظر والتدبر إنما هو تقوى الله تعالى والحذر من العاقبة فهم الواقفون على أن جميع المخلوقات آيات دون غيرهم وكأى من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون «إن الذين لا يرجون لقاءنا» بيان لمآل أمر من كفر بالبعث وأعرض عن البينات الدالة عليه بعد تحقيق أن مرجع الكل إليه تعالى وأنه يعيدهم بعد بدئهم للجزاء ثوابا وعقابا وتفصيل بعض الآيات الشاهدة بذلك والمراد بلقائه إما الرجوع إليه تعالى بالبعث أو لقاء الحساب كما في قوله عز وعلا إني ظننت أنى ملاق حسابيه وأيا ما كان ففيه مع الالتفات إلى ضمير الجلالة من تهويل الأمر ما لا يخفى والمراد بعدم الرجاء عدم التوقع مطلقا المنتظم لعدم الأمل وعدم الخوف فإن عدمهما لا يستدعى عدم اعتقاد وقوع المأمول والمخوف أي لا يتوقعون الرجوع إلينا أو لقاء حسابنا المؤدى إما إلى حسن الثواب أو إلى سوء العذاب فلا يأملون الأول وإليه أشير بقوله عز وجل «ورضوا بالحياة الدنيا» فإنه منبىء عن إيثار الأدنى الخسيس على الأعلى النفيس كقوله تعالى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ولا يخافون الثاني وإليه أشير بقوله تعالى «واطمأنوا بها» أي سكنوا فيها سكون من لا براح له منها آمنين من اعتراء المزعجات غير مخطرين ببالهم ما يسوؤهم من عذابنا وقيل المراد بالرجاء معناه الحقيقي وباللقاء حسن اللقاء أي لا يأملون حسن لقائنا بالبعث والإحياء بالحياة الأبدية ورضوا بدلا منها ومما فيها من فنون الكرامات السنية بالحياة الدنيا الدنية الفانية واطمأنوا بها أي سكنوا إليها منكبين عليها قاصرين مجامع هممهم على لذائذها وزخارفها من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم وإيثار الباء على كلمة إلى المنبئة عن مجرد الوصول والانتهاء للإيذان بتمام الملابسة ودوام المصاحبة والمؤانسة وحمل الرجاء على الخوف فقط يأباه كلمة الرضا بالحياة الدنيا فإنها منبئة عما ذكر من ترك الأعلى وأخذ الأدنى واختيار صيغة الماضي في الصلتين الأخيرتين للدلالة على التحقق والتقرر كما أن اختيار صيغة المستقبل في الأولى للإيذان باستمرار عدم الرجاء «والذين هم عن آياتنا» المفصلة في صحائف الأكوان حسبما أشير إلى بعضها أو آياتنا المنزلة المنبهة على الاستشهاد بها المتفقة معها في الدلالة على حقية ما لا يرجونه من اللقاء المترتب على البعث وعلى بطلان ما رضوا به واطمأنوا إليه من الحياة الدنيا «غافلون» لا يتفكرون فيها أصلا وإن نبهوا على ذلك وذكروا بأنواع القوارع لانهماكهم فيما يصدهم
(١٢٢)