أليم» لما ذكر من أنه مكابرة محضة ولأن من لا يملك زمام نفسه ولا يراعي حكم الله تعالى في أمثال هذه البلايا الهينة لا يكاد يراعيه في عظائم المداحض والمراد بالعذاب الأليم عذاب الدارين قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يوسع ظهره وبطنه جلدا وينزع ثيابه «يا أيها الذين آمنوا» شروع في بيان ما يتدارك به الاعتداء من الأحكام إثر بيان ما يلحقه من العذاب والتصريح بالنهي في قوله تعالى «لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم» مع كونه معلوما لا سيما من قوله تعالى غير محلي الصيد وأنتم حرم لتأكيد الحرمة وترتيب ما يعقبه عليه واللام في الصيد للعهد حسبما سلف وحرم جمع حرام وهو المحرم وإن كان في الحل وفي حكمه من في الحرم وإن كان حلالا كردح جمع رداح والجملة حال من فاعل لا تقتلوا أي لا تقتلوه وأنتم محرمون «ومن قتله» أي الصيد المعهود وذكر القتل في الموضعين دون الذبح اللذان بكونه في حكمه الميتة «منكم» متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل قتله أي كائنا منكم «متعمدا» حال منه أيضا ذاكرا لإحرامه عالما بحرمة قتل ما يقتله والتقييد بالتعمد مع أن محظورات الإحرام يستوي فيها العمد والخطأ لما أن الآية نزلت في المتعمد كما مر من قصة أبي اليسر ولأن الأصل فعل المتعمد والخطأ لاحق به للتغليظ وعن الزهري نزل الكتاب بالعمد وورد السنة بالخطأ وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه لا أرى في الخطأ شيئا أخذا باشتراط التعمد في الآية وهو قول داود عن مجاهد والحسن أن المراد بالتعمد هو تعمد القتل مع نسيان الإحرام أما إذا قتله عمدا وهو ذاكر لإحرامه فلا حكم عليه وأمره إلى الله عز وجل لأنه أعظم من أن يكون له كفارة «فجزاء مثل ما قتل» برفعهما أي فعليه جزاء مماثل لما قتله وقرئ برفع الأول ونصب الثاني على إعمال المصدر وقرئ بجر الثاني على إضافته إلى مفعوله وقرئ فجزاؤه مثل ما قتل على الابتداء والخبرية وقرئ بنصبهما على تقدير فليجز جزاء أو فعليه أن يجزى جزاء مثل ما قتل والمراد به عند أبي حنيفة وأي يوسف رضي الله عنهما المثل باعتبار القيمة يوم الصيد حيث صيد أو في أقرب الأماكن إليه فإن بلغت قيمته قيمة هدي يخير الجاني بين أن يشتري بها ما قيمته قيمة الصيد فيهديه إلى الحرم وبين أن يشتري بها طعاما فيعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره وبين أن يصوم عن طعام كل مسكين يوما فإن فضل مالا يبلغ طعام مسكين تصدق به أو صام عنه يوما كاملا إذ لم يعهد في الشرع صوم ما دونه فيكون قوله تعالى «من النعم» بيانا للهدي المشترى بالقيمة على أحد وجوه التخيير فإن من فعل ذلك يصدق عليه أنه جزى بمثل ما قتل من النعم وعند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى ومن يرى رأيهما هو المثل باعتبار الخلقة والهيئة لأن الله تعالى أوجب مثل المقتول مقيدا بالنعم فمن اعتبر
(٧٩)