الإنجيل أيضا ينهاهم عن الغلو وقوله تعالى «غير الحق» نصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي لا تغلوا في دينكم غلوا غير الحق أي غلوا باطلا أو حال من ضمير الفاعل أي لا تغلوا مجاوزين الحق أو من دينكم أي لا تغلوا في دينكم حال كونه باطلا وقيل نصب على الاستثناء المتصل وقيل على المنقطع «ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل» هم أسلافهم وأئمتهم الذين قد ضلوا من الفريقين أو من النصارى على القولين قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم في شريعتهم «وأضلوا كثيرا» اي قوما كثيرا ممن شايعهم في الزيغ والضلال أو إضلالا كثيرا والمفعول محذوف «وضلوا» عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وتوضيح محجة الحق وتبين مناهج الإسلام «عن سواء السبيل» حين كذبوه وحسدوه وبغوا عليه وقيل الأول إشارة إلى ضلالهم عن مقتضى العقل والثاني إلى ضلالهم عما جاء به الشرع «لعن الذين كفروا» أي لعنهم الله عز وجل وبناء الفعل للمفعول للجري على سنن الكبرياء «من بني إسرائيل» متعلق بمحذوف وقع حالا من الموصول أو من فاعل كفروا وقوله تعالى «على لسان داود وعيسى ابن مريم» متعلق بلعن أي لعنهم الله تعالى في الزبور والإنجيل على لسانهما وقيل إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت دعا عليهم داود عليه السلام وقال اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخهم الله قردة وأصحاب المائدة لما كفروا قال عيسى عليه السلام اللهم عذب من كفر بعدما أكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي «ذلك» إشارة إلى اللعن المذكور وإيثاره على الضمير للتنبيه على كمال ظهوره وامتيازه عن نظائره وانتظامه بسببه في سلك الأمور المشاهدة وما فيه من معنى البعد للإيذان بكمال فظاعته وبعد درجته في الشناعة والهول وهو مبتدأ خبره قوله تعالى «بما عصوا وكانوا يعتدون» والجملة مستأنفة واقعة موقع الجواب عما نشأ من الكلام كأنه قيل بأي سبب وقع ذلك فقيل ذلك اللعن الهائل الفظيع بسبب عصيانهم واعتدائهم المستمر كما يفيده الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل وينبىء عنه قوله تعالى «كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه» فإنه استئناف مفيد بعبارته لاستمرار عدم التناهي عن المنكر ولا يمكن استمراره إلا باستمرار تعاطي المنكرات وليس المراد بالتناهي أن ينهى كل واحد منهم الآخر عما يفعله من المنكر كما هو المعنى المشهور لصيغة التفاعل بل مجرد صدور النهي عن اشخاص متعددة من غير اعتبار أن يكون كل واحد منهم ناهيا ومنهيا معا كما في تراءوا الهلال وقيل التناهي بمعنى الانتهاء يقال تناهي عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع عنه وتركه فالجملة حينئذ مفسرة لما قبلها من المعصية والاعتداء ومفيدة لاستمرارهما صريحا وعلى الأول مفيدة لاستمرار انتفاء النهي عن المنكر بأن لا يوجد فيما بينهم من يتولاه في وقت من الأوقات ومن ضرورته استمرار فعل المنكر حسبما سبق وعلى كل تقدير فما يفيده تنكير المنكر من الوحدة
(٦٩)