أي صرف الناس عنها فجمع بين الضلال والإضلال «سنجزي الذين يصدفون» الناس «عن آياتنا» وعيد لهم ببيان جزاء إضلالهم بحيث يفهم منه جزاء ضلالهم أيضا ووضع الموصول موضع المضمر لتحقيق مناط الجزاء «سوء العذاب» أي العذاب السيء الشديد النكاية «بما كانوا يصدفون» أي بسبب ما كانوا يفعلون الصدف والصرف على التجدد والاستمرار وهذا تصريح بما اشعر به إجراء الحكم على الموصول من عليه ما في حيز الصلة له «هل ينظرون» استئناف مسوق لبيان أنه لا يتأتى منهم الإيمان بإنزال ما ذكر من البينات والهدى وأنهم لا يرعوون عن التمادي في المكابرة واقتراح ما ينافي الحكمة التشريعية من الآيات الملجئة وأن الإيمان عند إتيانها مما لا فائدة له أصلا مبالغة في التبليغ والإنذار وإزاحة العلل والأعذار أي ما ينتظرون «إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك» حسبما اقترحوا بقولهم لول أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا وبقولهم أو تأتي بالله والملائكة قبيلا وبقولهم لولا أنزل عليه ملك ونحو ذلك أو إلا أن تأتيهم ملائكة العذاب أو يأتي أمر ربك بالعذاب والانتظار محمول على التمثيل كما سيجئ وقرئ يأتيهم بالياء لأن تأنيث الملائكة غير حقيقي «أو يأتي بعض آيات ربك» أي غير ما ذكركما اقترحوا بقولهم أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ونحو ذلك من عظائم الآيات التي علقوا بها إيمانهم والتعبير عنها بالبعض للتهويل والتفخيم كما أن إضافة الآيات في الموضعين إلى اسم الرب المنبىء عن المالكية الكلية لذلك وإضافته إلى ضميره صلى الله عليه وسلم للتشريف وقيل المراد بالملائكة ملائكة الموت وبإتيانه سبحانه وتعالى إتيان كل آياته بمعنى آيات القيامة والهلاك الكلي بقرينة ما بعده من إتيان بعض آياته تعالى على أن المراد به أشراط الساعة التي هي الدخان ودابة الأرض وخسف بالمشرق وخسف بما غرب وخسف بجزيرة العرب والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من عدن كما نطق به الحديث الشريف المشهور وحيث لم يكن إتيان هذه الأمور مما ينتظرونه كإتيان ما اقترحوه من الآيات فإن تعليق إيمانهم بإتيانها انتظار منهم له ظاهرا حمل الانتظار على التمثيل المبني على تشبيه حالهم في الإصرار على الكفر والتمادي في العناد إلى أن تأتيهم تلك الأمور الهائلة التي لا بد لهم من الإيمان عند مشاهدتها البتة بحال المنتظرين لها وأنت خبير بأن النظم الكريم بسباقه المنبىء عن تماديهم في تكذيب آيات الله تعالى وعدم الاعتداد بها وسياقه الناطق بعدم نفع الايمان عند إتيان ما ينتظرونه يستدعي أن يحمل ذلك على أمور هائلة مخصوصة بهم إما بأن تكون عبارة عما اقترحوه أو عن عقوبات مترتبة على جناياتهم كإتيان ملائكة العذاب وإتيان أمره تعالى بالعذاب وهو الأنسب لما سيأتي من قوله تعالى قل انتظروا إنا منتظرون وأما حمله على ما ذكر من إتيان ملائكة الموت وإتيان كل آيات القيامة وظهور أشراط الساعة مع شمول إتيانها
(٢٠٣)