فوق ومن رام بأن على لكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وإلى لكون الخطاب للمؤمنين فقد تعسف ألا يرى إلى قوله تعالى «بما أنزل إليك» الخ وقوله «آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا» الخ وإنما قدم المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم على ما أنزل على سائر الرسل عليهم السلام مع تقدمه عليه نزولا لأنه المعروف له والعيار عليه والأسباط جمع سبط وهو الحافد والمراد بهم حفدة يعقوب عليه السلام وأبناؤه الاثنا عشر وذراريهم فإنهم حفدة إبراهيم عليه السلام «وما أوتي موسى وعيسى» من التوراة والإنجيل وسائر المعجزات الظاهرة بأيديهما كما ينبئ عنه إيثار الإيتاء على الإنزال الخاص بالكتاب وتخصيصهما بالذكر لما أن الكلام مع اليهود والنصارى «والنبيون» عطف على موسى وعيسى عليهما السلام أي وما أوتى النبيون من المذكورين وغيرهم «من ربهم» من الكتب والمعجزات «لا نفرق بين أحد منهم» كدأب اليهود والنصارى آمنوا ببعض وكفروا ببعض بل نؤمن بصحة نبوة كل منهم وبحقية ما أنزل إليهم في زمانهم وعدم التعرض لنفى التفريق بين الكتب لاستلزام المذكور إياه وقد مر تفصيله في تفسير قوله تعالى «لا نفرق بين أحد من رسله» وهمزة أحد إما أصلية فهو اسم موضوع لمن يصلح أن يخاطب يستوى فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ولذلك صح دخول بين عليه كما في مثل المال بين الناس وإما مبدلة من الواو فهو بمعنى واحد وعمومه لوقوعه في حيز النفي وصحة دخول بين عليه باعتبار معطوف قد حذف لظهوره أي بين أحد منهم وغيره كما في قول النابغة * فما كان بين الخير إذ جاء سالما * أبو حجر إلا ليال قلائل * أي بين الخير وبيني «ونحن له مسلمون» أي منقادون أو مخلصون له تعالى أنفسنا لا نجعل له شريكا فيها وفيه تعريض بإيمان أهل الكتاب فإنه بمعزل من ذلك «ومن يبتغ غير الإسلام» أي غير التوحيد والانقياد لحكم الله تعالى كدأب المشركين صريحا والمدعين للتوحيد مع إشراكهم كاهل الكتابين «دينا» ينتحل إليه وهو نصب على انه مفعول ليبتغ وغير الإسلام حال منه لما أنه كان صفة له فلما قدمت عليه انتصبت حالا أو هو المفعول ودينا وتمييز لما فيه من الإبهام أو بدل من غير الإسلام «فلن يقبل» ذلك «منه» أبدا بل يرد أشد رد وأقبحه وقوله تعالى «وهو في الآخرة من الخاسرين» إما حال من الضمير المجرور أو استئناف لا محل له من الإعراب أي من الواقعين في الخسران والمعنى أن المعرض عن الإسلام والطالب لغيره فاقد للنفع واقع في الخسران بإبطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها وفي ترتيب الرد والخسران على مجرد الطلب دلالة على أن حال من تدين بغير الإسلام واطمأن بذلك أفظع وأقبح واستدل به على أن الإيمان هو الإسلام إذ لو كان غيره لم يقبل والجواب أنه ينفى قبول كل دين يغايره لا قبول كل ما يغايره «كيف يهدي الله» إلى الحق
(٥٥)